العدد الرابعدراسات

رسالة في إعراب “من حفظ حجة على من لم يحفظ”

لمحب الدين الحموي (ت 1016هـ)

رسالة في إعراب “من حفظ حجة على من لم يحفظ”

لمحب الدين الحموي (ت 1016هـ)

دراسة وتجميع: صفاء صابر البياتي

       المقدِّمة

كثيرةٌ هي الرَّسائلُ الصَّغيرة المفقودة، التي توارَتْ في المجموعاتِ المحفوظة، أو طُوِيَت بين المطوَّلاتِ المطبوعة، غابَ ذكرها عن أهل التَّراجِم، وغفلَ عنها المفهرسونَ، فلم تُدوَّن في قوائم فهارسهم، ومِن هذه الرَّسائلِ رسالتُنا هذه التي يمكننا عدُّها من المفقوداتِ؛ إذ لم نجد لها ذكرًا في آثار الحمويّ المطبوعة أو المخطوطة. وحفِظها حفيدُ ابنه المحبِّي (ت 1111هـ) بذكره لها مختصَرَةً، في أثناء ترجمِته المطوَّلة للحمويّ في كتابه “خُلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر”، فارتأينا أن نُخرجها بحُلَّة قَشيبةٍ؛ خدمةً للتُّراث العربيّ بعامةٍ، وللتُراثِ الحمويِّ بخاصَّةٍ. فجعلتُها في قسمين: أوَّلهما للدِّراسة عن حياة المؤلِّف الشَّخصيَّة والعلميَّة، وعن الرِّسالة توثيقًا وتوصيفًا، والآخَرُ للتَّجميع، ثم ثبتٌ بالمصادر والمراجع المعتمَدَة. واللهُ الموفِّق.

 القسم الأول: الدِّراسة

       المبحث الأوَّل: المؤلِّف

                 المطلب الأوَّل: حياته الشَّخصيَّة

أوَّلًا: هُويَّتُه

  1. اسمه: هو محمَّد بن أبي بكرٍ بن داود بن عبد الرَّحمن بن عبد الخالق بن عبد الرَّحمن.
  2. كُنيتُه: أبو الفَضل.
  3. لقبُه: مُحبُّ الدِّين بن تقيّ الدِّين.
  4. نِسبتُه: العَلْوانيّ، الحمويّ، الدِّمشقيّ، الحنفيّ([1]).

ثانيًا: مولده:

ولِدَ بحماةَ في الخامسَ عشرَ من شَهر رمضانَ سنة (949هـ)، الموافق للرَّابع والعشرينَ من شهر كانون الأول سنة (1542م)([2]).

ثالثًا: نشأته

نشأ بمولدِه حماةَ، وقرأ على والدِه إلى أن تَنَبَّلَ، ثم بعثَ به والدُه لكِبَرِ سنِّه وعجزه عن الإقراء إلى الشَّيخ العارف باللَّه أبي الوفاء، فلزِمهُ وتفقَّه عليه على المذهب الشَّافعيّ، حتى وصل إلى قراءة شَرح البهجة، ثمَّ تحوَّل حنفيًّا، ثم رحل بعد وفاة شُيوخه إلى حلب، وأخذ عن علمائها، ثم دخل الآستانة واختلط مع كبرائها، ومدحهم بالقصائد الفائقة، ووجهت إليه مدرسة القصاعيَّة بالشَّام فوَرَدَ إليها، ثمَّ تدبَّرَ دمشقَ، وصاهر العلَّامةَ أبا الفداء إسماعيل النَّابلسيّ على بنتينِ، ماتتْ إحداهما قبل أن يبتنيَ بها، وولدتْ له الأخرى مُحبَّ الله، جدُّ صاحبِ “خلاصة الأثر”، ثم سافرَ مع قاضي القُضاة محمد بن محمَّد بن إلياس الشَّهير بــــ “جوي زاده” إلى القُدس في مهمَّته التَّفتيشيَّة على الكنيسة التي جدَّدَ النَّصارى شيئًا من بنائها، ثم سافر معه إلى مصرَ حينما أُعطيَ قضاءَها، فأقام فيها مدَّةً والتقى فيها بالعُلماءِ وأخذَ عنهم، وتولَّى ثمَّة قضاءَ فوَّة، والقنا، والقصير([3]).

ثم قفل عائدًا إلى الشَّام، فعمل بالقضاء والفتوى، وتولَّى منصب القضاء في حمص، وحصن الأكراد، ومعرَّة النُّعمان، ومعرَّة نسرين، وكلّس، وإعزاز، والقُدْمُوس وغيرها([4]).

واستقرَّ في نهاية المطاف بدمشقَ سنة (993هـ)، مُلقيًا بها عصا تسياره، فتولَّى فيها القضاء نيابةً بالمحكمة الكبرى عدَّة سنواتٍ، فضلًا عن تولِّيه قضاء العسكر، وقضاء الرَّكب الشَّامي فيها، ولم يزل يُفتِي ويُفيد، ويُتيحُ الفوائدَ لكلِّ طالبٍ ومستفيد، حتى وافاه الرَّدى، والتحفَ بالرَّغام واتَّخذهُ رِدا، وفرغتْ من سُلاف الحياة طاسُه، وقُطِعَ بمقراضِ البينِ قِرطاسُه([5]).

رابعًا: وفاته

تُوفِّيَ -رحمه الله- في يوم الأحد الثَّالث والعشرين من شهر شوَّال سنة (1016هـ) الموافق للعاشر من شهر شباط سنة (1608م)، ودُفِنَ في المدفن قُبالةَ الجانب المحاذي لجامع جرَّاح خارج باب الشَّاغور في دمشقَ ([6]).

       المطلب الثَّاني: حياته العلميَّة

أوَّلًا: شيوخه

قرأ الحمويُّ على كِبار عُلماء عصره، من أبرزهم:

  • السَّيِّد الشَّريف تقيّ الدِّين بن أحمد بن أبي البقاء الحموي (ت في حدود 960هـ)([7]).
  • الإمام أبو نصر الطَّبلاوي (ت966هـ)([8]).
  • رضي الدِّين محمد الحنبليّ (ت971هـ)([9]).
  • المسند الحافظ نجم الدِّين الغَيطي (ت984هـ)([10]).
  • الحافظ جمال الدِّين يوسف بن القاضي زكريَّا الأنصاريّ (ت987هـ)([11]).
  • شهاب الدِّين أحمد الأطاسي (ت1004هـ)([12]).
  • بدر الدِّين الغزِّي العامري (ت1006هـ)([13]).

فضلًا عن مصاحبته لبدر الدِّين القرافي المالكي (ت1008هـ)([14])، وشمس الدِّين محمَّد الفارضي (ت981هـ)([15])، ومصاهرته لأبي الفداء إسماعيل بن أحمد النَّابلسيّ الدِّمشقيّ (ت993هـ)([16]).

ثانيًا: تلاميذه

قرأ على الحمويّ كثيرٌ من طلبة العِلم، منهم:

  • مُحَمَّد بن حُسَيْن الملقَّب شمس الدِّين الحمامي الدمشقي العاتكي الحنفي (ت1018هـ)([17]).
  • مُحَمَّد بن مُحَمَّد شمس الدّين بن الجوخي الشافعي (ت1022هـ)([18]).
  • مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن أَحْمد بن مُحَمَّد الملَّقب شمس الدّين الحموي الدمشقي الميداني الشافعي (ت1033هـ)([19]).
  • أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن إدريس، شهَاب الدّين الْحلَبِي الْمَعْرُوف بِابْن قولاقسز (ت1037هـ)([20]).
  • مُحَمَّد بن نعْمَان بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الشَّهير بالإيجي الدِّمشقي الشَّافعي (ت1039هـ)([21]).
  • عبد اللَّطِيف بن حسن الجالقي الـمَعْرُوف بالقزديري الدمشقيّ الحنفيّ (ت1043هـ)([22]).
  • عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد عماد الدّين بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عماد الدّين الْعِمَادِيّ الحني الدِّمَشْقِي (ت1051هـ)([23]).
  • محمَّد بن محمَّد بن محمَّد الغَزِّي العامري القرشي الدمشقيّ، أبو المكارم، نجم الدِّين (ت1061هـ)([24]).
  • أَيُّوب بن أَحْمد بن أَيُّوب الْأُسْتَاذ الْكَبِير الْحَنَفِيّ الخلوتي الصَّالِحِي (ت1071هـ)([25]).

ثالثًا: آثاره

ترك محبُّ الدِّين مجموعة من الآثار العلميَّة، منها:

  • تنزيل الآيات على الشَّواهد من الأبيات، شرح شواهد الكشَّاف.
  • حواشٍ على تفسير البيضاوي.
  • منظومة عمد الحكام ومرجع القضاة في الأحكام.
  • شرح منظومة محب الدِّين بن الشحنة في المعاني.
  • حواشٍ على الهداية في الدُّرر والغُرر في الفقه.
  • حادي الأظعان النَّجديَّة إلى الدِّيار المصريَّة.
  • الرَّدُّ على مَن فجر ونبح النَّجم بإلقامه الحجر.
  • السَّهم المعترض في قلب المعترض.
  • الصّمصامة المتصدية لردِّ الطَّاغية المتعدية.
  • نُزهة النُّفوس والألباب ومراسلة المحبّ للأحباب.
  • شرح منظومة عمدة الأحكام.
  • بوادي الدُّموع العندميَّة بوادي الدِّيار الرُّوميَّة.
  • الدُّرَّة المضيَّة في الرِّحلة المصريَّة.
  • الرِّحلة التَّبريزيَّة([26]).

رابعًا: منزلته

قال عنه الخفاجيّ: “نزيل الشَّام، وشَامةُ مَن بها من الوجوه والأعلام، ذو كمالٍ وأدب، ومجدٍ تَناولَه عن كَثَب، فكان غَرَّة مَن نظَم ونثَر، وكتَب وشعَر، إذا حلَّ بنَادٍ تهلَّل صَدرُه وانْشَرح، وتزيَّنَتْ بدُرَرِ كلماتِه عُقودُ الـمُلَح، وترنَّمتْ أطيارُها، وتفتَّحت بنسيم خُلُقِه أنْوارُها، بمُحاورات له تحْمَرُّ خدودُ الكاساتِ منها خَجَلا، وتفْتح أزهارُ الخمائلِ لها آذانًا ومُقَلًا”([27]). وقالَ عنه نجمُ الدِّين الغزِّيّ بأنَّه: “الشّيخُ الإمامُ العلَّامةُ، البارعُ الكاملُ، النَّاقدُ الأوحدُ الفهَّامةُ”([28]). ونعتَهُ حفيدُه بقوله: “كانّ علَّامةً مُحقِّقًا مُدقِّقًا، غوَّاصًا على المسائل، طويل الباع في المنقول، قويّ السَّاعد في المعقول، مستحضرًا لمسائل الفقه، حافظًا لعبارات المتون، مواظبًا على التَّدريس والإفتاء… واشتهرتْ فتاويه بالآفاقِ، وكان ممَّن توحَّد في عصرهِ بمعرفة الفنون، خصوصًا التَّفسير والفقه والنَّحو والمعاني والفرائض والحساب والمنطق، وكانت له شُهرةٌ طنَّانةٌ، وذكره جماعةٌ من المؤرِّخين والأُدباء وأثنوا عليه كثيرًا”([29]).

ووصفه المرادي الدِّمشقيّ ببحر الفضل الزَّاخر، الثَّجَّاج بأمواجه، والطَّود الشَّامخ الباذخ الرَّاسب الرَّاسي، أجلُّ مَن تضلَّع من العلوم ولها خدَم، وتطلَّع إلى مسائلها وحقَّق فيها وأرسخ قدم، ازدانت به دمشق الشَّام، كما يزدان السَّاعدُ بالسُّوار والوِشام، فابتهجت بمعلوماته مدارسُها وجوامعها، وهشَّت له وجوهها، وأصغتْ لمقوله مسامعها([30]).

ومِن أجود شِعرهِ قوله: [الطَّويل]

حَكَتْ قامَتي لامًا وقامةُ مُنيَتي       حكَتْ ألفًا للوصلِ، قُلتُ مسائلًا

إذا اجتمعتْ لامي مع الألف التي      حكَتْك قوامًا ما تصيرُ فقال لا([31])

 

         المبحث الثَّاني: الرِّسالة

                        المطلب الأول: توثيقها

  أولًا: توثيق عنوانها:

لم يرد لهذه الرسالةِ ذكرٌ في المصادر التي ترجمتْ للحمويّ، فضلًا عن ذكر عُنوانها، ولم تُشِرْ هذه المصادرُ إليها، عدا تلك الإشارة التي أوردها للحمويِّ حفيدُ ابنه المحبِّي([32])، والتي حفِظت لنا هذه الرِّسالة، فقال: “وَله تَحْرِيرٌ على الْمثل الْمَشْهُور وَهُوَ مَن حفِظ حجَّةٌ على من لم يحفظ”([33]).

فلعلَّ ما ارتضيناه عُنوانًا لها لخيرُ عُنوانٍ مُعبِّرٍ عن فحوى الرِّسالة وموضوعها الأساس، ومَن يدري! لعلَّه العُنوان نفسه الذي وضعهُ لها المؤلِّفَ، أو ما هو قريبٌ منه. والله أعلم.

ثانيًا: توثيق نسبتها

نصَّ المحبيُّ على نسبةِ هذه الرِّسالة إلى الحمويّ في ترجمته المطوَّلة له، بقوله: “وَله تَحْرِيرٌ على الْمثل الْمَشْهُور وَهُوَ مَن حفِظ حجَّةٌ على من لم يحفظ”([34]). فضلًا عن أنَّنا لا نعلمُ أحدًا نُسبتْ إليه رسالةٌ بهذا العُنوان، أو تنازعَ والحمويَّ في نِسبةِ هذه الرِّسالة.

فدلَّ هذا النَّصُّ على أنَّ محبَّ الدِّين الحمويُّ هو صاحبُ هذه الرِّسالة بلا ريبٍ.

ثالثًا: توثيق فقدانها:

لم نجد لهذه الرِّسالة أثرًا في مجموعات الحمويِّ التي تحتفظ بها المكتبات، كمكتبة تشتربيتي (4817)، ولم ترد عَرضًا في آثار رَحلاته التي وقفنا عليها في المكتبة الظاهريَّة تحت الرَّقم (6985)، أو مكتبة راغب باشا تحت الرقم الحميديّ (1475/1)، أو مكتبة عاطف أفندي (2030)، ولم يظهر لها صدًى في فهارس المخطوطات التي اطَّلعنا عليها، فترجَّح لدينا أنَّها مفقودةٌ مع ما فُقِدَ من التَّراث العربيّ.

المطلب الثَّاني: توصيفها

أوَّلًا: موضوعها

يُعدُّ موضوعُ هذه الرِّسالةِ مِن الموضوعاتِ النَّحويَّة، ذكر المحبِّي ملَخَّصَها المفيد، فقال: “وَلِهَذَا الْكَلَام تَتِمَّة أَعرَضت عَنْهَا لعدم تعلقهَا بالغرض”([35])، ومُبيِّنًا سببَ تأليف الحمويّ لها قائلًا: ” وَكَانَ سَبَب تحريره لَهُ أَنه اجْتمع هُوَ وَجَمَاعَة في مجْلِس بعض الأعيان فدار الْكَلَام بَينهم فِيهِ من جِهَة الاعراب فَاخْتَارَ بَعضهم رفع الْحجَّة وَبَعْضهمْ نصبها فَكتب مَا مُلخَّصهُ…”([36]). جاء تأليف هذه الرِّسالة لحسم النِّزاع الدائر في لفظة “حُجة” من هذا القول السَّائر.

ثانيًا: أهميَّتُها

تتجلَّى أهميةُ هذه الرِّسالةِ في عدَّة أمورٍ، منها:

  1. إضافة أثرٍ جديدٍ غفلتْ عنه كتبُ التَّراجِم والطَّبقات؛ إلى آثار محب الدِّين الحمويّ.
  2. تصوِّر ما كان يُدار في مجالس العلماء والأعيان من الحوارات العلميَّة والنقاشات المعرفيَّة، والاستضاءة بحركة التَّأليف في القرن الحادي الهجري، وتصوير الموضوعات التي عُني بها في هذه الحقبة، ومعرفة المنهج الذي ساروا عليه في التَّأليف.
  3. شيوع هذا القول، وكونه قاعدةً من قواعد الاستدلال لدى أهل العِلم وطُلَّابه.
  4. عدّها مظهرًا من مظاهر العناية بالتُّراث اللُّغويّ، أيًّا كان حجمُه ومقدارُه.

ثالثًا: منهجها

ظهر لنا من خلال الملخَّص المحفوظ أنَّ منهجَ الحمويّ في رسالتِه هذهِ موجِزٌ ومختصِرٌ، إذ شرع يُعربُ ألفاظَهُ لفظًا لفظًا حتى ينتهيَ منه، ثم أخذ يُوردُ ما قد يُثارُ في ذِهنِ المتلقِّي من إشكالاتٍ، ثم يُجيبُ عنه، بقوله: “فإن قلتَ:… قلتُ:…”، بأُسلوبٍ سَلِسٍ واضحٍ لا غموضَ فيه، لينتهيَ إلى تقرير الوجهِ الصَّحيح في إعرابِ “حُجَّة”.

رابعًا: مصادرها

لم يُفصِح الحمويُّ في رسالته عن مصادره التي ركنَ إليها؛ ولا غروَ في ذلك فطبيعة الموضوع لم تقتضِ ذلك؛ لإيجازها ووضوحها، فاعتمد على محفوظاتِه المتأتية له من القراءة على الشُّيوخ، والخبرة والمدارسة من العُلوم والمعارف، ولم يُورد إلا شاهدًا واحدًا، وهو بيتٌ للطُّغرائي.

 

القسم الثَّاني: التَّجميع

منهجُ التَّجميع:

اعتمدتُ في إعادة بناء هذه الرِّسالة على النَّص الفريد الملخَّص الذي حفِظَه لنا حفيدُ ابنه المحبِّي في ترجمته التي عقدها له، في الصَّفحة (329) من كتابه “خلاصة الأثر” المطبوعة طبعة قديمة من غير تحقيق.

ويتلخَّصُ منهجي في تجميع هذه الرِّسالة في الأُمور الآتية:

  1. تحريرُ النَّصِّ مِن النُّسخةِ الفريدةِ المعتمَدةِ على وَفق قواعد الإملاء الحديثة، وعلاماتِ التَّرقيم المعاصرة، دونَ الإشارةِ إلى ما قد جرى تغييرُه من الرُّسوم القديمة.
  2. الحِرصُ على سلامةِ النَّصِّ، بالضَّبط التَّامِّ لألفاظه.
  3. التخريجُ والتَّعريف بما يحتاج إليهما، وتوثيقُ النُّصوصِ والنُّقولاتِ، وعَزوها إلى مَصادرها الأصيلة.
  4. حصر الألفاظ المعرَبة بين الهلالين ( )، وحصر ما أضفتهُ حيث اقتضت الإضافة بين المعقوفين [ ].

 

النَّص المجمَّع:

[رسالةٌ في إعراب: مَن حَفِظَ حُجَّةٌ على مَن لم يَحفَظ]

(من): اسْمُ مَوْصُولٍ مَرْفُوعُ المحِلِّ على الِابْتِدَاء، وَجُمْلَة (حفظ): صلَة لَا مَحل لَهَا من الإعراب، والعائدُ الضَّمِيرُ الْمُسْتَترُ في (حفظ).

و (حُجَّةٌ): خبرُ الـمُبْتَدَأ، أعني: الْمَوْصُول، وَهُوَ (مَن).

و (عَلى) ظرفٌ لغوٌ؛ لأنَّ عَاملَه مِن الأفعالِ الخَاصَّةِ الَّتِي لَا يتَضَمَّن الظَّرْفُ لَهُ، لَا مَحل لَهُ مِن الإعراب وَهُوَ مُتَعَلقٌ بـ (حُجَّة).

و (عَلى): حرفُ جرٍّ مَعْنَاهُ الاستعلاء، وَهُوَ هُنَا مَعنويٌّ.

وَ (لم): حرفُ نفيٍ وَجزمٍ. و(يحفَظ): فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بــ (لم). وَجُمْلَة (لم يحفَظ): صِلَة (مَن) الثَّانِيَة المجرورة المحلِّ بــ (على)، وعائدها الضَّمِير الْمُسْتَتر في (يحفظ)، وَجُمْلَة (مَن حفِظ حُجَّةٌ على مَن لم يحفَظ) استئنافيَّةٌ.

فإن قلتَ: هَل يَصحُّ نصبُ الْحجَّةِ على أَنَّهُ مفعولُ (حفِظ)، وَجعلُ (على) فعلًا مَاضِيًا والموصولَ بعده مَفْعُولَه مَنْصُوبًا بِنَزْع الْخَافِض على الْحَذف والإيصال وَالتَّقْدِير: مَن حفِظ حُجَّةٌ علا على مَن لم يحفظ، ثمَّ حُذِفتْ (على) وباشرَ الْفِعْلُ الْمَنْصُوبَ فنصبَه على حدِّ قَولِ الطُّغرائيّ([37]):

وإنْ عَلاني مَن دُوني فَلَا عَجَبٌ     لي أُسْوَةٌ بانحطاطِ الشَّمْسِ عَن زُحَلِ([38])

قلتُ: التَّقْدِير لَا يروجُ عِنْد النَّاقدين الَّا للضَّرُورَة، وَلَا ضَرُورَة هُنَا على أَنَّ رسمَ الْخطِّ لَا يساعدُه أَيْضًا، فَّإنهُ لَو كَانَ فعلًا مَاضِيًا لكُتِبَ بالألف الْمَوْجُود بِصُورَة الْيَاء.

فإنْ قلتَ: يُمكن أَن يرجَّح نصبُ الْحجَّة بِأَنَّهُ يلْزم من عَدمه بَقَاء (حفظ) بِلَا مفعولٍ على أَنَّهُ مِن الْأَفْعَال المتعديةِ.

قلتُ: مثلُ هَذَا غير عَزِيز فِي كَلَامهم فإنَّهُ قد تقرَّر فِي فنِّ الْمعَانِي أَنَّهُ قد يكون الْغَرَضُ مِن الْفِعْل المتعدي إثباته لفَاعِله أَو نَفْيه عَنهُ مُطلقًا من غير اعْتِبَار تعلُّقهِ بِمن وَقع عَلَيْهِ، فَينزل مَنزلَة اللَّازِم.

فإنْ قلتَ: فَمَا ذكرتَه مُرَجِّحٌ لرفعِ الْحجَّة، وَحِينَئِذٍ فَكيفَ يَصحُّ حملهَا على الْمَوْصُول الذي هُوَ عبارَة عَن الشَّخْص؟

قلتُ: هُوَ من بَاب الْمجَاز الْمُرْسلِ([39]) من قَبيل إطلاق الْحَالِ وارادة الْمحِلِّ، أَو إطلاق الْمُسَبّبِ وإرادة السَّبَب، وَأَمْثَاله أَكثرُ مِن أَن تُحصى.

 

ثبت المصادر والمراجع:

  • الأعلام (قاموس تراجم لأشهر الرِّجال والنِّساء من العرب والمستعربين والمستشرقين): خيرالدين الزِّرِكْلِي (ت1976م)، دار العلم للملايين، بيروت، ط15، 2002م.
  • إيضاح المكنون في الذَّيل على كشف الظُّنون عن أسامي الكتب والفنون: إسماعيل باشا البغدادي (ت 1339هـ)، طهران، ط3، 1387هـ/1967م.
  • البلاغةُ الواضِحَةُ: علي الجارم و مصطفى أمين، دار المعارف، 1999م.
  • خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر: محمد أمين بن فضل الله بن محبّ الدِّين بن محمد المحبي الحموي الدمشقي (ت1111هـ)، دار صادر، بيروت.
  • ريحانة الألبَّا وزهرة الحياة الدُّنيا: شهاب الدين الخفاجي (ت1069هـ)، تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، مصر، ط1، 1386هـ /1967م.
  • الطُّغرائي حياته شعره لاميَّته، بحثٌ وتحقيقٌ وتحليلٌ: علي جواد الطَّاهر، دار التَّضامن، بغداد، ط1، 1963م.
  • عَرف البشَام فيمن وليَ فتوى دمشق الشَّام: محمَّد خليل بن علي بن محمَّد المرادي الدِّمشقيّ (ت1206هـ)، تحقيق: محمَّد مطيع الحافظ، ورياض عبد الحميد مراد، دار ابن كثير، دمشق-بيروت، ط2، 1408هـ/1988م.
  • الكواكب السَّائرة بأعيان المائة العاشرة: نجم الدين الغزِّي (ت1061هـ)، تحقيق: خليل المنصور، دار الكتب العلميَّة، بيروت، 1418هـ/1997م.
  • لُطف السَّمر وقطف الثَّمر من تراجم أعيان الطَّبقة الأولى من القرن الحادي عشر: نجم الدِّين محمَّد بن محمَّد الغزِّي الدِّمشقيّ (1061هـ)، تحقيق: محمود الشِّيخ، وزارة الثَّقافة والإرشاد القومي، دمشق.
  • معجم المؤلِّفين تراجم مصنِّفي الكتب العربيَّة: عمر رضا كحالة (ت1408هـ)، مكتبة المثنى- دار إحياء التُّراث العربي، بيروت.
  • هدية العارفين: إسماعيل باشا البغدادي (ت 1339هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت،1312هـ.

الهوامش 

 ([1]) انظر: خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر: محمد أمين بن فضل الله بن محبّ الدِّين بن محمد المحبي الحموي الدمشقي (ت1111هـ)، دار صادر، بيروت:3/322.

 ([2]) انظر: ريحانة الألبَّا وزهرة الحياة الدُّنيا: شهاب الدين الخفاجي (ت1069هـ)، تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، مصر، ط1، 1386هـ /1967م:194، وخلاصة الأثر:3/322، وعَرف البشَام فيمن وليَ فتوى دمشق الشَّام: محمَّد خليل بن علي بن محمَّد المرادي الدِّمشقيّ (ت1206هـ)، تحقيق: محمَّد مطيع الحافظ، ورياض عبد الحميد مراد، دار ابن كثير، دمشق-بيروت، ط2، 1408هـ/1988م:63.

 ([3]) انظر: لُطف السَّمر وقطف الثَّمر من تراجم أعيان الطَّبقة الأولى من القرن الحادي عشر: نجم الدِّين محمَّد بن محمَّد الغزِّي الدِّمشقيّ (1061هـ)، تحقيق: محمود الشِّيخ، وزارة الثَّقافة والإرشاد القومي، دمشق:1/114، وخلاصة الأثر:3/327.

 ([4]) انظر: خلاصة الأثر:3/323 وما بعدها.

 ([5]) انظر: عَرف البشَام:63.

 ([6]) انظر: ريحانة الألبَّا:194، وخلاصة الأثر:3/327، وعَرف البشَام:63.

 ([7]) انظر ترجمته في: خلاصة الأثر:3/322.

 ([8]) انظر ترجمته في: الكواكب السَّائرة بأعيان المائة العاشرة: نجم الدين الغزِّي (ت1061هـ)، تحقيق: خليل المنصور، دار الكتب العلميَّة، بيروت، 1418هـ/1997م:2/33.

 ([9]) انظر ترجمته في: الكواكب السَّائرة:3/42.

 ([10]) انظر ترجمته في: الكواكب السَّائرة:3/51.

 ([11]) انظر ترجمته في: الكواكب السَّائرة:3/221.

 ([12]) انظر ترجمته في: خلاصة الأثر:1/184.

 ([13]) انظر ترجمته في: خلاصة الأثر:4/189.

 ([14]) انظر ترجمته في: معجم المؤلِّفين تراجم مصنِّفي الكتب العربيَّة: عمر رضا كحالة (ت1408هـ)، مكتبة المثنى- دار إحياء التُّراث العربي، بيروت:11/150.

 ([15]) انظر ترجمته في: الكواكب السَّائرة:3/83.

 ([16]) انظر ترجمته في: معجم المؤلِّفين:2/258.

 ([17]) انظر ترجمته في: خلاصة الأثر:3/439.

 ([18]) انظر ترجمته في: خلاصة الأثر:4/165.

 ([19]) انظر ترجمته في: الأعلام (قاموس تراجم لأشهر الرِّجال والنِّساء من العرب والمستعربين والمستشرقين): خيرالدين الزِّرِكْلِي (ت1976م)، دار العلم للملايين، بيروت، ط15، 2002م:7/62.

 ([20]) انظر ترجمته في: خلاصة الأثر:1/301.

 ([21]) انظر ترجمته في: خلاصة الأثر:4/248.

 ([22]) انظر ترجمته في: خلاصة الأثر:3/16.

 ([23]) انظر ترجمته في: خلاصة الأثر:2/380.

 ([24]) انظر ترجمته في: الأعلام:7/63.

 ([25]) انظر ترجمته في: خلاصة الأثر:1/428.

 ([26]) انظر: لُطف السمر:1/121-123، ريحانة الألبَّا:194، وخلاصة الأثر:3/327، وعَرف البشَام:63، وهدية العارفين: إسماعيل باشا البغدادي (ت 1339هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت،1312هـ:2/267، وإيضاح المكنون في الذَّيل على كشف الظُّنون عن أسامي الكتب والفنون: إسماعيل باشا البغدادي (ت 1339هـ)، طهران، ط3، 1387هـ/1967م:1/556، و2/32، 121، والأعلام:6/59.

 ([27]) ريحانة الألبَّا:194.

 ([28]) لُطف السَّمر:1/114.

 ([29]) خلاصة الأثر:3/322.

 ([30]) انظر: عَرف البشَام:58.

 ([31]) انظر: خلاصة الأثر:3/327.

 ([32]) انظر: خلاصة الأثر:3/308 وما بعدها.

 ([33]) خلاصة الأثر:3/328-329.

 ([34]) خلاصة الأثر:3/328-329.

 ([35]) خلاصة الأثر:3/329.

 ([36]) خلاصة الأثر:3/329.

 ([37]) هو الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد، أبو إسماعيل، مؤيد الدين، الأصبهاني الطغرائي: شاعرٌ، من الوزراء الكتّاب، كان يُنعت بالأستاذ. ولد بأصبهان سنة (455هـ)، واتصل بالسُّلطان مسعود بن محمد السلجوقي (صاحب الموصل) فولَّاه وزارته، ثم اقتتل السلطان مسعود وأخ له اسمه السلطان محمود فظفر محمود وقبض على رجال مسعود، وفي جملتهم الطغرائي، فأراد قتله ثم خاف عاقبة النقمة عليه، لما كان الطغرائي مشهورًا به من العلِم والفضل، فأوعز إلى مَن أشاع اتِّهامه بالإلحاد والزندقة فتناقل النَّاس ذلك، فاتخذه السُّلطان محمود حجة، فقتله. ونسبة الطغرائي إلى كتابة الطغراء. له (ديوان شعر – ط) وأشهر شعره (لامية العجم)، وله كتبٌ منها (الإرشاد للأولاد- خ) مختصر في الإكسير، وللمؤرخين ثناءٌ عليه كثيرٌ (ت513هـ). انظر: الأعلام:2/246.

 ([38]) البيت من البحر البسيط، ومعناه: وإن علاني هؤلاء الذين ذممتُ دولتَهم وأيامَهم وهم دوني في كلِّ شيءٍ، فإنَّ لي أُسوةً بكون الشَّمس التي هي في الفلك الرَّابع منحطَّةً عن الزُّحل الذي هو في الفلك السَّابع. انظر: الطُّغرائي حياته شعره لاميَّته، بحثٌ وتحقيقٌ وتحليلٌ: علي جواد الطَّاهر، دار التَّضامن، بغداد، ط1، 1963م: 92.

 ([39]) كلمةٌ اسْتُعْمِلَتْ في غَيْر مَعناها الأَصْليِّ لعلاقةٍ غير المشابهةِ مَعَ قرينةٍ مانعةٍ من إِرادةِ المعنَى الأصْليِّ. انظر: البلاغةُ الواضِحَةُ: علي الجارم و مصطفى أمين، دار المعارف، 1999م: 110.

اقرأ أيضًا:

الأثري وأعلام عصره

اختلاف رأي النحوي في المسألة

دعاوى المستشرقين في العروض العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى