العلامة الأثري ذكرى وبشرى
العلامة الأثري
ذكرى وبشرى
ذكرى:
تسعون عامًا عاشها الأثريّ، وهو نجم يهتدى بسيره، ويؤتسى بأسلوبه، ويتابع فيما يكتبه من أبحاث ومقالات.. بكثير من الإعجاب والتقدير والاحترام والإكبار.
كان الأثري رأساً في المحققين، وغاية في الأدباء والمتأدبين، وراية للهادة المهديين في السلوك والأفكار والأخلاق والأعمال…
فهو درة المحققين، وتاج الأدباء الميامين، وشاعر الشعراء، وثالث ثالوث الفكر والإبداع في القصيدة العربية في الشعر العربي الحديث الرصافي، والزهاوي، والأثري.
تتلمذ الأثري لعلامتي العراق علي علاء الدين الآلوسي، ومحمود شكري الآلوسي أبو المعالي، وبهما تخرج، وكان على معرفة بالتركية العثمانية والفارسية والفرنسية وكان ملمًّا بالإنجليزيةوالألمانية.
كان مجيدًا فيما يَقرضه من الشعر، وكان من طبقة المخضرمين، لا من طبقة النظّام، وكان شعره شعرًا ملآنًا بالحمية والغيرة على دين الله، وعلى مقدساته، وعلى أوطانه الإسلامية والعربية..
تراه يُلهب قارئه بما يحدث في فلسطين من مآسٍ، ويشدّ من أزر سامعه، وهو ينشد شعره في السوريين، فيجعل الثائر ملء إهابه عزيمة وإرادة، ومضاء في الاستبسال، وشجاعة القول والفعل، تسمعه وهو ينافح ويدافع عن وطنه العراق، فتخال شعره سيفًا يحزّ رقاب المستخربين، ونثره رمحًا ينشب في أجساد المتواطئين مع الاحتلال وأشياعه.
يقول الأثري في قصيدته ” الشعر كما أراه “:
الشعرُ ما روَّى النفوسَ مَعينهُ… وجرت برقراق الشعور عيونهُ
وصفت كلالاء الضياء حروفهُ… وزهت بوضّاء البيان متونهُ
متألقُ القسماتِ فتانُ الرؤى… يزهو صبا الفصحى الطرير رصينهُ
حرُّ المذاهبِ لا يشوب أصولهُ… كدرٌ ولا واهي اللغات يشينهُ
يقول الدكتور أحمد مطلوب: “ويمضي في إيضاح الشعر الرائع، وهو عنده أن يكون صادقاً يروي النفوس، ويهز المشاعر، واضحًا جليًّا يزهر بوضّاء البيان، متألقًا فتّانًا لا تشوبه عجمة أو خروج عن الفصحى، حرًّا يعبّر عن الحقيقة بأجلى صورها، صادرًا عن عبقرية فذّة، وموهبة عظيمة، غَرِدًا، بديع الإيقاع، معبرًا عن الخلجات ومصورًا للأحاسيس المختلفة، هذه بعض سمات الشعر عنده، وهي سمات تجعله خالدًا على الزمان”.
ومع جلال قوله في الشعر، ومتانة لفظه في النظم، وسلاسة أسلوبه في التعبير الشعري، فهو أيضًا صاحب القدح المعلى، والفارس المجلى الذي لا يبلغ له شأو في التعبير العربي الفصيحالصحيح، فهو حين يعبر يعبر عن روح عربي قح، لا يشوب لفظه شائبة الدخيل على كثرة معارفه باللغات، ولا يدنو به خيال نحو الدارجة الضعيفة الهشة.
وهو محقق التراث الذي لا يكل ولا يمل عن البحث والدراسة والتقصي والتأصيل، فقد أنفق أكثر من سبعة عشر عامًا، في تحقيق “نزهة المشتاق” للإدريسي، وبلغ أكثر من ثلاثة عقود في تحقيق “خريدة القصر” للأصبهاني، والذي نال به جائزة الملك فيصل العالمية في الثمانينات.
وهو المعلّم الذي تخرج من تحت يده أعلام الأدب والتاريخ والفكر والسياسة.
بُشرى:
إنّ مجرّد الحديث عن العلامة محمد بهجة الأثري، هو وحده يستلزم البحث والدراسة والتقصّي الشامل لغالب أعماله على مدار عمره، إضافة إلى تتبُّع كلِّ أثَر له من بحث ومقالة وحديث ومقابلة وذكريات ومشافهات…
وقد تتبَّعنا بعضًا من هذه الجوانب في فيلمنا الوثائقي عنه الّذي تناولناه العام الماضي على قناة عين على التراث..
كما نحاول فعله في جمع مقالاته في أبرز الدوريات الّتي كتب فيها على مدار عُمره، مما استطعنا الحصول عليه، واغتنامه. وإن شاء الله تعالى يرى جمهرةُ القرَّاء جمهرةً كجمهرةِ محمود شاكر، وشقيقهِ أحمد شاكر، هي “جمهرةُ مقالات الأثري” رحمه الله، وعسى الأيام تمدّنا بما كان يكتبه من أوراق ومذكّرات وتعليقات بإذن الله تعالى من خلال أستاذنا الغالي ولده البار بتراث والده: الأستاذ يسار محمد بهجة الأثري، الذي لا يألو جهدًا، ولا يرتاح له بال، إلا وهو يبحث، ويتناقش، ويحثّ، ويَسأل.. حتى ترتاح نفسه من ناحية برّه بأبيه العلامة الكبير.
أحمد صبري
اقرأ أيضًا:
تعليق واحد