العدد الثالثدراسات

رسالة في استثناء {إلا ما شاء ربك}

لأبي سعيد الخادمي (ت 1176هـ)

رسالة في استثناء {إلا ما شاء ربك}
لأبي سعيد الخادمي (ت 1176هـ)

تحقيق: سارة رحاحلة

رسالة في استثناء {إلا ما شاء ربك}
رسالة في استثناء {إلا ما شاء ربك}

 

 

مقدمة:

هذه رسالة عُنيتْ ببيان نوع الاستثناء الواقع في قوله تعالى: {إلا ما شاء ربك} من الآية رقم (108) من سورة هود. كما اهتمت الرسالة ببيان المعنى الخارج عن مثل هذا النوع من الاستثناء، وإيضاح تفسيره، عن طريق ذكر بعض التأويلات الّتي تعرَّض لها المفسِّرون عند تفسيرهم هذه الآية الكريمة.

مؤلِّفُ هذه الرسالة هو محمد بن محمد بن مصطفى بن عثمان، أبو سعيد الخادمي، وهو فقيه أصوليّ، من علماء الحنفية، ولد في قرية خادم التابعة لمدينة قونية التركيّة، وذلك سنة (1113هـ)، وتوفي فيها سنة (1176هـ). وقد قرأ على أبيه وغيره من الشيوخ، وله من المؤلفات: “مجمع الحقائق” وهو كتاب في أصول الفقه، و”حاشية على درر الحكام” وهو في فقه الحنفية، كما له “البريقة المحمودية في شرح الطريقة المحمدية” للبركلي، وهو في أربعة أجزاء، و”شرح الرسالة الولدية” للغزالي، و”رسالة في حكم قراءة آية الكرسي عقب الصلاة”، و”رسالة في تفسير البسملة” وغيرها من الرسائل[1].

وصف المخطوطة:

هذه المخطوطة من مقتنيات مكتبة جامعة طوكيو، (معهد الثقافة والدراسات الشرقية) في اليابان، تحت رقم: (1129).

تقع هذه النسخة في صفحة واحدة، في (16) سطرًا، وحالتها جيدة، كُتبت بخطٍّ واضح.

 

 

النصُّ المحقَّق:

 

هذه رسالة في استثناء {إلا ما شاء ربك}، لأبي سعيد الخادمي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على وَلْيه، والصلاة على نبيِّه محمَّد وآله وصحبه، وبعد:

فاعلم أنه أَشكَل عليَّ بالاستثناء في قوله تعالى: {وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك} [هود: 108] فإنه يقتضي عدم خلود بعض أهل الجنة.

فقلت: إنه يجوز كون الاستثناء من قوله الكريم “ففي الجنة” بمعنى أن بعض السعداء لا يكون في الجنة، وهم الذين كانوا في أول أعمارهم من السعداء وفي آخرها من الأشقياء، بناءً على قاعدة كليّة، وهي: “السعيد قد يشقى”([2]).

أو المعنى أنهم في الجنة من ابتداء حالهم إلى انتهائها إلا ما شاء الله تعالى، فإنهم في الجنة، لكن لا في الابتداء، بل في الانتهاء.

ويمكن أن يُراد من الجنة: الجنة المخصوصة أو نعيمها المخصوص.

ثم اطلعتُ في تفسير العيون([3]) أنه قال في معنى الاستثناء ما حاصله: أن المراد من الاستثناء مقدار محبس في الحشر وعلى الصراط، وتعميرهم في الدنيا، وإحسابهم في البرزخ.

وقيل([4]): معناه سوى ما شاء تعالى من الزيادة على قدر مدة بقاء السماوات والأرض، وهو ذلك هو الخلود في الموضعين.

وقيل([5]): “إلا” بمعنى الواو، أي: وما شاء ربك من خلود هؤلاء في النار، وهؤلاء في الجنة.

وقيل([6]): معنى ذلك لو شاء ربك لأخرجهم منها، ولكنه لا يشاء لأنه حكم لهم بالخلود فيها.

ولا يخفى أنه على قياس هذين الأولين يمكن أن يراد من المستثنى عصاة المؤمنين، فإنهم سعداء بشرف إيمانهم، ولا يدخلون الجنة ابتداءً بسبب عصيانهم -كما تقدم-.

وأما الجواب بجَعل الاستثناء منقطعًا([7])، وبما قال الحنفية([8]): إن الاستثناء تكلمٌ بالباقي بعد الثُنَيَّا([9])، فبعيدٌ غايةً كما لا يخفى على المتأمّل.

تمت الرسالة

 

 

 الهوامش:

[1] ينظر: الأعلام، للزركلي، (ج7، ص68).

([2]) هذه من القواعد الّتي قال بها الماتُريدية، وخالَفَهم فيها الأشاعرة، فقالوا: إن السعيد مَن سعد في بطن أمه، والشقي من شَقي في بطن أمه. يُنظر: موسوعة الفرق، (ج2، ص173). والقول الوسط هو ما ذكرَه ابن حجر في كتابه: فتح الباري (ج11، ص497)، أنّ السعيد قد يشقى وأنّ الشقي قد يسعد لكن بالنسبة إلى الأعمال الظاهرة، وأما ما في عِلم الله تعالى فلا يَتغير.

([3]) يقصد به كتاب النكت والعيون، لمؤلفه الماوردي، (ج2، ص506). والاستثناء الوارد في هذه الآية اختلف في تفسيره العلماء على أقوال كثيرة، لخَّصها السمين الحلبي في أربعة عشر وجهًا في تفسيره: الدر المصون (ج6، ص٣٩١).

([4]) ينظر: النكت والعيون، للماوردي، (ج2، ص506).

([5]) ينظر: المصدر السابق.

([6]) ينظر: المصدر السابق.

([7]) حكاه الزجّاج عن بعض أهل اللغة، في كتابه: معاني القرآن وإعرابه (ج3، ص٧٩).

([8]) يُنظر: رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، (ج5، ص605). والفقه الإسلامي وأدلته، للزحيلي، (ج8، ص111).

([9]) الثنيا: ويُقصد بها الاستثناء، ينظر: رد المحتار على الدر المختار، المرجع السابق.

 

اقرأ أيضًا:

المكتبة العربية ببغداد

المدرسة الفخرية ببغداد وآثار فخر الدولة ابن المطلب

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى