العدد الخامسمقالات

عاشق السيرة النبوية وتاريخ الأندلس د. عبد الرحمن علي الحجي كما عرفته

عاشق السيرة النبوية وتاريخ الأندلس:
د. عبد الرحمن علي الحجي
كما عرفته

د. خالد يوسف الشطي·

عاشق السيرة النبوية وتاريخ الأندلس: د. عبد الرحمن علي الحجي كما عرفته
عاشق السيرة النبوية وتاريخ الأندلس: د. عبد الرحمن علي الحجي كما عرفته

 

هذه مناسَبة للكتابة عن عاشق السيرة النبوية الشريفة وتاريخ الأندلس: الدكتور عبدالرحمن علي الحجي -رحمه الله- كما عرفتُه، والذي أفنى حياته دفاعًا عن القرآن الكريم والسنة النبوية، وتاريخ المسلمين وحضارته، وقد نذر نفسه لتوثيق سيرة رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، وسيرة بلاد الأندلس والحديث عن حضارتها وازدهار تاريخها.

وقد رافقتُ د. عبد الرحمن الحجي سنوات طويلة، فقد كانت معرفتي به منذ أن كان أستاذًا بجامعة الكويت، من عام 1985 إلى عام 1988، حينما كان يُدَرِّس التاريخ الإسلامي في كلية الآداب، وكنتُ وقتها طالبًا في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت، وكان يتنقل بين منتديات الكويت وملتقياتها ودواوينها، متحدثًا عن تاريخ المسلمين المجيد، وخصوصًا تاريخ الأندلس، وقد كان يتحدث بأسلوب أدبي رفيع، وبنبرة فيها شوق وحنين للتاريخ الإسلامي، حيث كان حديثه يأخذ بمجامع القلوب لمستمعيه ومتابعيه.

ومنذ أن دخل الكويت عام 1985م وجد ضالته في أبناء الكويت المحبين للتاريخ والحضارة الإسلامية، ورغم انتهاء فترة تدريسه في جامعة الكويت عام 1988 وانتقاله للتدريس في جامعات أخرى، إلا أنه ظل يتردد إلى دولة الكويت حتى عام 2019، وذلك قبل وفاته بعام واحد، محاضرًا في دواوينها ومجالسها ومنتدياتها، ومقدِّمًا برامجه الإذاعية والتلفزيونية في وزارة الإعلام ومتنقلًا بين مكتباتها ودور نشرها يؤلف الكتب ويُعدّ البحوث.

وقد تلقفه أبناء الكويت داعمين له ومشجعين، وشاكرين لجهوده الرائعة في خدمة الإسلام والمسلمين، وقد سجّل مئات الحلقات التلفزيونية والإذاعية، وألقى مئات المحاضرات والندوات، وأصدر العديد من كتبه وأبحاثه في مكتبات ودور النشر بدولة الكويت، وكان يتردد على الكويت في العام مرتين على الأقل، قادمًا من مقر إقامته في مدينة مدريد بأسبانيا.

وقد حاولتُ قدر جهدي دعم برامجه ومشاريعه، وأسست معه مركز ابن حزم في أغسطس 2015م، وهو مركز تطوعي يوثق تاريخ الأندلس وحضارته، وقد فرح به أشد الفرح، وقد افتتحنا أنشطة المركز بمحاضرة رائعة ألقاها بنفسه عن الحضارة الأندلسية في مسجد الدولة الكبير، والتي حضرها جمع غفير أشادوا بمحاضرته، لكن انشغال أعضاء مجلس إدارة المركز بأعمالهم المتعددة، وانشغالي بتأسيس مركز فنار لتوثيق العمل الإنساني حالَ دون استمرار أنشطة المركز.

كما اجتهدتُ معه محاولًا جمع كتبه المتناثرة في المكتبات ودور النشر لإصدارها في موسوعة متكاملة، وأخذنا الإذن من بعض دور النشر لإعادة طباعتها، حيث قد نفدت منه بعض كتبه، وقد استطعنا جمعها من جديد.

كما بذلتُ جهدي لجمع محاضراته وندواته وبرامجه الإذاعية والتلفزيونية لتكون في موقع إلكتروني، ليستفيد منها الباحثون والمهتمون بالسيرة النبوية وتاريخ الأندلس، حيث قد تخصص في هذين المجالين بإتقان، وقد أبدع في توثيق السيرة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، كما أجاد في توثيق تاريخ الأندلس بكل تفاصيله وأحداثه، مُستلهمًا منه الدروس والعبر، كما حاولت مساعدته في إعادة طباعة بعض إصداراته ومشاريعه المستقبلية من الكتب والإصدارات والبحوث والبرامج الإذاعية والتلفزيونية…

لكنَّ قِصَر مدة مكوثه في الكويت عند زياراته الأخيرة كانت تحول دون مواصلة استكمال هذه المشاريع.

وقد رحل د. عبد الرحمن علي الحجي عن الحياة، وخلّف إرثًا عظيمًا من إصداراته الرصينة وكتبه القيِّمَة ومحاضراته الرائعة، خاصة فيما يتعلق بتاريخ الأندلس التي عشقها طوال حياته وعاش آخر عشرين سنة من حياته على أرضها، مستنشقًا هواءها، ومطلعًا على مبانيها وأحيائها، لكنه لم يستطع تحقيق كل طموحاته، فقد كان يطمح إلى تأسيس مركز إسلامي في أسبانيا أو بريطانيا لتوثيق كامل التاريخ الأندلسي، وكانت لديه العديد من البحوث والكتب والإصدارات التي كان يكتبها ويجمعها ويؤلفها، لكنه فارق الحياة دون إصدارها.

وكم تمنيت أن يقوم أحد رجال الأعمال أو المؤسسات الثقافية الكبرى في العالم العربي والإسلامي بتقديم إمكاناته المادية والإدارية ليُمَكنَّه من تأليف إصداراته وإعداد مشاريعه العلمية.

وكم من علماء الأمة اليوم أمثال د. عبد الرحمن الحجي، الذين لديهم طموحات لخدمة الإسلام والمسلمين، لكنهم يعانون قلة الدعم لتنفيذ مشاريعهم العلمية والبحثية الكبرى.

ولعل هذه المقالة تُحرِّك وتشجِّع رجال الأعمال والجمعيات والأوقاف الخيرية والمراكز الثقافية لدعم علماء الأمة ومُفكّرِيها.

رحم الله الدكتور عبد الرحمن علي الحجي الذي غادرنا في 5 جمادى الآخرة 1442هـ الموافق 18 يناير 2021م، بعد حياة حافلة بالعطاء والهمّة والنشاط إلى آخر أيام حياته، وباركَ في ذريته، وسخّرَ من أبنائه وذريته ومن أبناء الأمة مَن يوثِّق تراثه الكبير، ويكمل مشاريعه التي كان يطمح إلى تحقيقها.

وفي الوقت الذي نستذكر فيه مآثر الفقيد د. عبد الرحمن علي الحجي -رحمه الله-، فإننّا ندعو لزوجته ورفيقة دربه السيدة منال الربيعي (أم بلال) التي غادرت الحياة بعدَه في سبتمبر عام 2021م، وقد شاركته همومه وأحزانه وتطلعاته خلال خمسين عامًا، وكانت تكتب له كتبه ومؤلفاته بخط يدها، فهو يُملي عليها وهي تكتب، وقد مكثَت معه ستة سنوات فقط في إعداد كتاب “التاريخ الأندلسي”، داعيًا المولى -عز وجل- أن يرحمهما ويجمعهما في دار السرور والخلود.

والحمد لله رب العالمين.

_________________

  • رئيس مركز الكويت لتوثيق العمل الإنساني – فنار.

 

_________________

اقرأ أيضًا:

مع الدكتور الحجي: ذكريات ومواقف

جهود الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الحجي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى