العدد الخامسمقالات

جهود الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الحجي

في التاريخ الأندلسي

جهود الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الحَجِّي (رحمه الله)
في التّاريخ الأندلسيّ

 

أ. د. عماد الدين خليل·

 

جهود الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الحَجِّي
جهود الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الحَجِّي

 

ثلاثة من كبار المؤرّخين المعاصرين أنجزوا مؤلَّفاتهم القَيِّمة عن التاريخ الأندلسي، فانتشرت في الآفاق ولَقيت رواجًا وقبولًا كبيرًا لدى القراء والباحثين: محمد عبد الله عنان، والأستاذ الدكتور حسين مؤنس، والأستاذ الدكتور عبد الرحمن الحّجِّي، رحمهم الله وأسكنهم فسيح جَنَّاته، على ما قَدَّموه بإخلاص عن تلك الحلقة المتلألئة من تاريخ أمتنا الإسلامية في الأندلس، في السياقين السياسي والحضاري.

لكن ما يميِّز الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الحَجِّي عنهما هو التزامه بالمنهج الإسلامي الأصيل في عرضه للتاريخ الأندلسي، واعتماده القِيَم الموضوعية العادلة في تقييمه لما فعله الأجداد في الساحة الأندلسية، وردوده العلمية على مقولات المستشرقين التي جانبت الصواب. ويكفي أن يرجع المرء إلى كتابه “التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة” وإلى تهميشاته الغنية وقائمة مصادره العربية والإفرنجية وإلى عرضه الرصين الذي لم يترك فيه شاردة ولا واردة إلا وضعها تحت مجهره الفاحص المُحَلِّل، الذي أوصله إلى شبكة قَيِّمة من التحليلات والنتائج بخصوص العديد من حلقات التاريخ الأندلسي التي طالما ثار حولها الجدل والنقاش.

ليس هذا فحسب، بل إن منهجه المُحْكَم هذا يمضي للتعامل مع العديد من مراحل التاريخ الأندلسي والعلاقات الخارجية لخلفائه وأمرائه، ومعطياته الحضارية الخصبة. فما يزداد قراؤه إلا إعجابًا وتقييمًا لهذا الباحث الإسلامي الجاد الذي عرف كيف يكشف النقاب عن جوانب عديدة من هذه الصفحة الرائعة في تاريخنا الإسلامي.

هذا، إلا أن الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الحَجِّي هو ثالث ثلاثة من جيل المؤرخين العراقيين الإسلاميين الذين طالما أشاد ببحوثهم الخصبة في ساحة الكتابة في التاريخ الإسلامي الطلبة والباحثون والمتابعون: الأستاذ الدكتور أكرم ضياء العمري، والأستاذ الدكتور عبد الرحمن الحَجِّي، والأستاذ الدكتور عماد الدين خليل. كلهم انطلقوا من البؤرة ذاتها: المنهج الإسلامي الأصيل الذي يرفض التدليس والتشويه، والذي يسعى إلى عرض الوقائع والأحداث بأقصى درجات الحيطة والعلمية والموضوعية.

ومن يدري، فلعل هؤلاء الثلاثة في جهدهم المكافح في البحث التاريخي لما يزيد عن الستين عامًا، وإنجاز عشرات المؤلفات في ساحاته، يعطون الدرس لمن سيجيئ بعدهم بضرورة مواصلة العمل والانكباب على التأليف، حتى وهم يدخلون مرحلة الشيخوخة ويواري بعضهم التراب، فلعل ذلك يشفع لهم عند خالقهم جلَّ في علاه يوم الحساب، مصداقًا للآية الكريمة:

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (سورة إبراهيم).

رحمك الله أيها الأخ الغالي وتَقَبَّلَك في الصالحين. لقد سبقتنا إلى الآخرة، فلعلك تساهم مع كل الأحبة في أن تكون شفيعنا هناك يوم يُكْتَب علينا مفارقة هذه الدنيا الزائلة التي لا تساوي شروى نقير.

لقد تلقيتُ نبأ وفاتك بطبقتين من الحزن: حزن الناس بفقد أحبابهم. وحزني المضاعف عليك أيها الأخ والصديق. لقد غبتَ عني أخيرًا فكسرتَ ظهري، فما أنا وأنت إلا أخوة مدّوا حياتهم من بدئها حتى أقصاها من أجل إعلاء كلمة الله، والدفاع الموصول عن الحقيقة التي غابت عن أذهان الكثيرين. فما كان منا إلا أن نشحذ أقلامنا عبر واحدة من أوسع الجبهات في الجدل والملاحقة بين أبناء هذا الدين وخصومهم من الفجرة والمارقين. ترى هل أدّينا الفريضة التي طَوَّقنا بها أعناقنا، وأمضينا أعمارنا في سبيل نصرتها؟ عِلْم ذلك عند الله. ولسوف تكون وفاتك بمثابة المفتاح الذي ستتلقى بواسطته الجواب. أما أنا فعَلَيَّ أن أنتظر ربما سنوات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة. وحينذاك سوف ألحق بك وسوف أقف خاشعًا منحنيًا خجولًا أمام الله -جل في علاه لتلقِّي الجواب-. تُرى كيف سيكون؟ إنّ أوصالنا لترتعد وهي تتذكر اللّحظة الفاصلة، لحظة الحساب العسير، ومَن يدري، فلعلنا نخرج مرفوعي الرؤوس.. لعلنا! فمن يدري؟!

أيها الأخ الغالي، دعواتي لك صباح مساء أن يتقبلك الله في الشهداء والصديقين، وأن يتقبَّل منك جهد عُمْر كامل في الدفاع عن عقيدته. مُمَحِّضًا تخصصه في التاريخ للرد على الخصوم والأعداء، وقبل هذا لتقديم جملة من الأعمال البنائية التي اعترف الجميع بقوة منهجها في البحث والتحقيق، فسلام عليك. ولا أقول وداعًا، ولكني أقول إلى اللّقاء في يوم قريب.. إلى اللقاء أيها الأخ والصديق.

الهوامش:

  • أكاديمي ومؤرخ وكاتب وناقد، من العراق.

 

اقرأ أيضًا:

الدكتور أحمد الحجي وذكرياته مع والده

عبدُ الرَّحمن الحَجِّي: سِيرة ومَسيرة

خواطر مسجدية أندلسية

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. اهلا اخي هل يمكن بمسيرة حياة الدكتور عبد علي حجي من أجل مذكرة ماستر مسومة

    جهود المؤرخ عبد الرحمن علي الحجي في كتابة التاريخ الاندلسي
    و ايضا اسماء كتبه و منهجه في التحقيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى