العدد الرابععالم الكتب

مراجعة كتاب “الفن وتطور الثقافة الإنسانية”

مراجعة كتاب “الفن وتطور الثقافة الإنسانية”

بقلم: د. أحمد موسى ([1])

مراجعة كتاب "الفن وتطور الثقافة الإنسانية"
مراجعة كتاب “الفن وتطور الثقافة الإنسانية”

مؤلف الكتاب:

أ.د. شاكر عبد الحميد (1952 – 2021). أستاذ علم نفس الإبداع بأكاديمية الفنون المصرية. شغَل عددًا من المناصب، أبرزها: منصب عميد المعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون بمصر، ومنصب أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، ومنصب وزير الثقافة المصرية في ديسمبر 2011، ومدير برنامج تربية الموهوبين بكلية الدراسات العليا بجامعة الخليج العربي بمملكة البحرين في الفترة 2005- 2011. وقد حاز جوائز عدة، أبرزها: جائزة الشيخ زايد للكتاب في مجال الفنون 2012 عن كتاب “الفن والغرابة”، وجائزة الدولة التقديرية 2017، وله عدد كبير من البحوث والمؤلفات والكتب المترجمة.

بيانات الكتاب:

تاريخ النشر: صدرت الطبعة الأولى في عام 2015 عن دار ميريت للنشر بالقاهرة.

الترقيم الدولي: 9789773517274

جاء الكتاب في 310 صفحة من القطع المتوسط، موزعة على سبعة فصول، بالإضافة إلى مقدمة وهوامش وقائمة للمراجع. وجاءت عناوين الفصول كالتالي: الأول: “في تعريف الفن”، والثاني: “معنى الثقافة – في علاقتها بالفنون خاصة”، والثالث: “الذات المتكلمة في اللوحات”، والرابع: “الولع بالفوتوغرافيا”، والخامس: “السينما وصناعة النجوم”، والسادس: “الصناعات الثقافية والإبداعية”، والسابع: “نهضة مصر وروح المكان: ملاحظات أولية”.

إطلالة عامة:

أشار المؤلف عبر فصول الكتاب مجتمعة إلى أن الفن يمتد بجذوره في الطبيعة البشرية، وأنه ظاهرة إنسانية عامة ووسيلة للتخاطب الإنساني. وهو أيضًا أشبه باستجابة لتلك الجوانب المعرفية والإدراكية والوجدانية المتطورة من هذه الطبيعة. كما بيَّنَ أن لكل ثقافة إنسانية فنونها الخاصة بها، المتفاعلة أو الممتزجة مع فنون الآخرين أيضًا.

ولمَّا كان الفن يتعلق بالجمال وتتعلق الثقافة بالهوية، بات دور الفن يتمثل في الكشف عن الجمال الكامن في الإنسان وفي الحياة، فيما تجلى دور الثقافة في تأكيد هُوية الإنسان، وهُوية واقعه، وكذلك العَلاقات التي تربط هذا الإنسان بواقعه، والتي تربط هذا الواقع كذلك بالعالم المحيط به، قربًا وبُعدًا. كما يقوم الفن بتجميع الناس معًا وتقوية شعورهم بهويتهم وثقافتهم وخصوصية وجودهم في هذه الحياة.

يعد الفن بمثابة تعبير ملموس عن الإبداع الإنساني، وهو يعكس في حد ذاته الإدراك الإنساني للعالم، ويعكس تطور المجتمعات أيضًا. ويعد الفن، بوصفه وسيلة للاستغراق والانشغال والتدفق والتعبير الشخصي والإبداعي؛ مصدرًا للمتعة والإثارة العقلية؛ فهو يزودنا برؤى أخرى جديدة للمجتمع والحياة، ويحدد ويوجه الأفراد نحو قيم جديدة بازغة، ويزودنا باستبصارات حول عدد من المعاني، ويقدم الفرص المناسبة لتحقيق الذات وتشجيع ارتقاء الإبداع.

تطورت الثقافات، عبر الزمن، من خلال عملية مؤلفة أو مركبة جمعت في جنباتها بين الجغرافية والطقس وأساليب الحياة والمعتقدات الروحية الأولية والاختيارات الاجتماعية. وتعتمد قوة الثقافة، الآن، على ما إذا كان الناس، روحيًّا وسياسيًّا، يتسمون بحرية التفكير، ويسلكون، أيضًا، بصفتهم أفرادًا لهم حريتهم، ولهم كرامتهم التي يحفظها الدستور والقانون.

عرض الفصول:

يجري إنتاج الفن حين يقوم فنان ما بإبداع عمل فني يتعلق بالجمال، أو باستثارة خبرة جمالية يعُدُّها المتلقون لهذا العمل ذات جدارة أو جاذبية جمالية. من هذا المنطلق وتحليله ونقده، تتبع المؤلف في الفصل الأول تعريفات الفن القاموسية والإجرائية، انتهى منه إلى تبني طرح الفيلسوف الألماني “مارتن هيدجر” Martin Heidegger (1889- 1976) بتحديد الفن عبر الفحص المقارن للأعمال الفنية الفعلية التي تكشف عن طبيعته، وليس استنادًا لمفاهيم فنية كلية. ويقرر المؤلف أن “هيدجر” على هذا النحو، لعله يكون أقرب الفلاسفة إلى تقديم ما يسمى بالتعريف الإجرائي للفن. وقد ضمَّنَ المؤلف هذا الفصل كذلك لبعض تصنيفات الفن القديم والحديث، وعرض لوظائفه المتنوعة على الصعيد النفسي والاجتماعي الثقافي؛ إذ يشبع الفن حاجاتنا الشخصية للتعبير عن أفكارنا وانفعالاتنا وأحلامنا وخيالاتنا ودوافعنا والكثير من الجوانب الخاصة بذاتنا بوصفنا أفرادًا موجودين في هذه الحياة. بجانب إشباعه لحاجاتنا الاجتماعية للتواصل مع الآخرين وللاحتفال والمتعة الجمالية.

في الفصل الثاني خلص المؤلف إلى الدور الحاسم الذي قامت به الثقافة العلمية في تقدم تكنولوجيا الفنون وعالمها، وما أدته الثقافة الدينية من أدوارٍ متباينة أيضًا؛ كانت أحيانًا إيجابية فشجعت الفنون، وأحيانًا سلبية فأعاقتها أو أخرتها أو حرمتها، وكذلك دور الثقافة الاقتصادية في تطوير عالم سوق الفن، وفي تطور عديد من الفنون المرتبطة بهذا العالم. وكذلك تأثير الثقافة الفنية والنظريات الفلسفية في تطور عمليات الإبداع الفني ذاتها. وإننا بتتبع تطور الفنون، فإننا نتتبع طموحات الشعوب وأحلامها ورؤاها ومعتقداتها الأساسية أو فلسفتها العامة حول الكون والإنسان والحياة. فنحن لا يمكننا أن نلاحظ ما يدل عليه مفهوم “الثقافة” (Culture)، وإنما نستدل على الثقافة من ملاحظاتنا لسلوك الطرائق الثقافية، كذلك السلوكيات المرتبطة بثقافة بعينها.

في أحوال كثيرة تكون السيرة الذاتية للفنان أحد المفاتيح الأساسية لفَهم عمله وإنتاجه الفني؛ حيث تكون حياة الفنان نفسها هي موضوع العمل. ومع ذلك فإن هذه ليست قاعدة عامة. في الفصل الثالث يعرف المؤلف المقصود بالذات المتكلمة، ويقرر أن تحويل ما هو ذاتي إلى موضوعي، أمرٌ قد يصدق على أمور شتى في الفن، بيد أنه لا يصدق بشكل خاص على تصوير الفنان للإنسان، حتى إن كانت هناك موضوعية هنا فإنها ستكون موضوعية ذاتية من دون شك. وقد تعرض المؤلف في سياق ها الفصل لعدد من المبدعين، من أمثال: الفنان النرويجي “إدفارد مونش” Edvard Munch (1863- 1944) والفنان الهولندي “ڤان جوخ” van Gogh (1853-1890)، والفنان الهولندي “رمبرانت” Rembrandt (1606- 1669). وهكذا فإننا مع تتبعنا حركة الفن في العالم منذ القرن الخامس عشر وحتى اليوم، سنجد أن تطوره كان متوازيًا مع تطور الفردية ونموها في المجتمع، وكذلك نحو شعور الفنانين بالاستقلال والحرية أيضًا خاصة لدى هؤلاء الذين يرون أن التعبير عن الشخصية أهم أهدافهم.

أفرد المؤلف الفصل الرابع لتتبع تأثيرات التصوير الفوتوغرافي بوصفه منجزًا واختراعًا حاسمًا في إثراء الثقافة الإنسانية بشكلٍ عام؛ إذ أسهم في تضييق المسافة بين العمل الفني ومتلقيه، فقد أصبح العمل الفني متاحًا ومتكررًا وشائعًا، ولم تعد ثمة مسافة تفصل بيننا والأعمال الفنية، ولم تعد الأعمال الفنية ترتبط “بالجليل” المتعلق بالطقس أو الشعائر، ولا “بالجميل” المتفرد عن وظيفته الشعائرية المُسَّيسة، التي يمكن صياغتها وفق السلطة السياسية.

واستكمالًا لتتبع المنجزات والاختراعات الحديثة وتأثيرها في إثراء الثقافة الإنسانية، جاء الفصل الخامس ليعرض لفن السينما، الذي مثَّلَ أيضًا تلك الأداة الأعظم تأثيرًا على الجماهير العريضة من بين كل تلك الأدوات التي تم اختراعها عبر التاريخ البشري، وهي الفن الشعبي الجماهيري الخاص بعصرنا، فالعقلية الخاصة بالناس، وبخاصة سكان الحضر، تعد نتاجًا لهذا الفن. وقد كانت القاعدة دائمًا في تاريخ الفن والثقافة أن أحدهما دال على الآخر، كما أن التفاعل بينهما تفاعل جدلي في الأساس، فالفن يربي الذوق الخاص بالجمهور؛ كما أن التذوق الأفضل الذي لدى هذا الجمهور يتطلب حدوث تطور في الفن ويجسده، ويتطلب كذلك وصوله إلى مستويات أعلى. وهذا الأمر واضح في حالة السينما بشكل يفوق كثيرًا وضوحه بالنسبة للفنون الأخرى. كما أن الافتقار إلى التذوق المناسب للسينما يقتلها، ولا يحدث هذا بالنسبة للفنانين أنفسهم فقط، بل للعمل الفني ذاته كله، إنه يختنق حتى قبل أن يولد، فالفيلم عادة ما يكون نتاجًا لصناعة كبيرة، إنه يكلِّف كثيرًا ويكون نتاجًا أيضًا لعملية جماعية معقدة يصعب أن يقوم أي فرد مهما كانت عبقريته بالإبداع له بمفرده، بعيدًا عن عمليات التذوق وتحيزات التفضيلات الخاصة بالجمهور في عصره.

حين تولى مؤلف هذا الكتاب منصب وزير الثقافة المصرية، وقد تولاها لفترة زمنية قصيرة، تمثل مشروعه الثقافي الذي لم يكتمل، فيما اصطلح عليه: الصناعات الثقافية الإبداعية، وهو موضوع الفصل السادس من هذا الكتاب. وفي حد ذاتها تعد “صناعة الثقافة” امتدادًا مباشرًا للصناعات الجديدة الخاصة بعمليات الإنتاج والتوزيع الجماهيرية الكبيرة، التي بدأت عند منعطف القرن التاسع عشر؛ حيث ظهرت السينما وتكنولوجيا تسجيل الصوت والصحف اليومية واسعة الانتشار والمطبوعات الشعبية (الكتب والمجلات والصحف)، ثم أخيرًا الراديو والإذاعة. لكن هذه الثقافة قد نمت وتطورت أيضًا من خلال ذلك التراث الفني الذي أصبحت فيه تقنيات السطح والمظهر هي التي تجذب الاهتمام؛ بينما تم التخلي عن المعنى الداخلي الملازم له. وعند نهاية القرن العشرين فتحت التكنولوجيا الرقمية آفاقًا واحتمالات جديدة وكبيرة، وهي على الرغم من ذلك ما تزال في بداياتها.

في سياق الفصل السابع قدم المؤلف تساؤلًا رئيس، له صور شتى، مؤداه: أتوجد روح مصرية؟ أتوجد روح للمكان الذي نعيش فيه ونحبه ونسميه: مصر؟ وحال كانت الإجابة “بنعم” وهي يقينًا كذلك، فما طبيعة هذه الروح؟ وما عناصرها؟ وما الذي يمكن أن يكون قد طرأ عليها؟ وهل استطاع الفن أن يلمس قلب هذه الروح أو حتى سطحها؟ وعبر هذا الفصل نجد المؤلف ينحاز إلى ما أطلق عليه: “روح المكان” لا “عبقرية المكان” مصطلح “جمال حمدان”، وجادل بأن مصطلح روح المكان أكثر رحابة ويتصل بما وجدنا الإنسان المصري عليه: محبًّا للحياة، محبًّا للفن، مرحًا، متدينًا بلا إفراط ولا تفريط، وفي قلب ذلك كله نجد هذا الحس الوطني الذي يكشف عن حبه العميق لوطنه، واعتزازه به، وبتاريخه، وهذا الإيمان الاستراتيجي بالوحدة الوطنية، لدى كل من في قلبه إيمان وفي عقله وعي. وتتبع المؤلف في سبيل التأكيد على هذا الطرح ما شهده التاريخ المصري من أحداثٍ ظهرت معها أغاني رائعة وأعمال وإبداعات خالدة.

 

 

الهوامش:

 ([1]) هذه المراجعة إهداء إلى روح أستاذي الجليل شاكر عبد الحميد الذي فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها مساء يوم الخميس 18 مارس 2021م.

اقرأ أيضًا:

تجربتي في ترجمة الأدب الحديث

قصة كتاب

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى