العدد الثالثعالم الكتب

قصة كتاب

قصة كتاب

 

 

في عام (2013م) كنتُ مع الصديق مصطفى موسى المحقق بدار الكتب المصرية، وقد ورَد ذِكر خير الدين الزركلي في حديثنا، وقلتُ له: لقد قرأتُ ديوانه، على الرغم من عدم شهرة الرجل شاعرًا. ولذا فكّرتُ في نشر ديوان الزركلي.

بادرني أخي مصطفى بقوله: أنا أعرف ابنته، ويمكننا أخذ موافقتها على طبعه، وهي مقيمة بالقاهرة.

فطلبت منه أن يرتب لي لقاءً معها.

أيام قليلة وأخبرَني بموعد اللقاء ومكانه.. وأنّه سيقلّنا إليها حيث إقامتها في “المعادي” ابنُها الّذي سنتلقيه في منطقة “الدقي”..

في تمام السادسة عصرًا، وعلى حسب الموعد، التقيتُ بأخي مصطفى في الدقي لنلتقي بالأستاذ محمود عبد العاطى حفيد الزركلي.

بالفعل التقينا في الموعد المحدد بالضبط.

الأستاذ محمود اصطحب معه زوجته قائلًا: هي التي تعلَم دروب القاهرة، وخبيرة بطرقها.

الرحلة من حي الدقي إلى منطقة المعادي حوالي نصف ساعة تقريبًا، على يسارك نهر النيل حيث مياهه الشفافة الرقراقة، وسرعان ما يتحوّل فيصبح على يمينك بعدما تعبُر الجسر الّذي يفصل بين محافظتي الجيزة والقاهرة.

النيل في لحظات الغروب له منظر رائع، وبخاصة وأنت فى طريقك إلى المعادي حيث الحدائق الغنّاء، والأشجار العالية الباسقة، والكثيفة، وأصوات العصافير وزقزقاتها  تسمعها بوضوح، والتي آذنت باقتراب ليلٍ جديد يغلّف سماء القاهرة، ويطوى صفحة النهار، تُضاء الأضوية في الشوارع، وتنعكس أنوارها على صفحة المياه، فترى ألوانًا عديدة متداخلة ومتراقصة، يشقّها زورقٌ صغير أو قاربٌ نيلي يغني لتلك المياه المسافرة بعدما غربت شمس النهار.

وصلْنا منطقة المعادي، المعروفة بروعة مبانيها وأناقة حدائقها، في واحدة من البنايات الرائعة دخلنا إلى المدخل الرخامي بديكوراته الفنّية الأنيقة، وصعدنا إلى الطابق الثالث لنلتقي بالسيدة حياة خير الدين الزركلي.

سيدة نحيفة الجسم، بيضاء اللون، لديها أناقة ورشاقة، ولباقة في التعبير، تكلّمك عن والدها فتأخذك في عالمه، ذكريات، ومواقف، وحكايات، وطُرف ومُلح، أزمنة ماضية تطرق الأبواب فتفتح لها حياة الزركلي الشرُفات وتستعيد الذكريات.

حكايات الزركلي في الأردن، حكاياته مع الفرنسيين، وذكرياته مع الملك عبد العزيز آل سعود، وتذهب بك في رحلة معه إلى المغرب، حيث كان سفيرًا للسعودية بالرباط، وتعود بك إلى القاهرة، وتعرّج بك إلى بيروت…

وتحدّثك عن  كتابه (عامان في عمّان)… وغيره، وذكريات حول أهمّ كتبه على الإطلاق (الأعلام) الّذي أفنى حياته فيه، بدأه فى العشرينات من القرن الماضي إلى يوم وفاته في (1976م) فى إحدى مستشفيات حي الدقي، حيث كان الكِتاب مُرافقًا له على سريره، خمسون عامًا التهمها كتاب (الأعلام) من عمر الرجل، لكن حسبه أنه كتاب خالد، تمنَّى الكثيرون أن يموتوا حتى يَذكرهم الزركلي في كتابه، فيُكتب لهم الخلود والبقاء!

جاءت السيدة حياة بحقيبةٍ سوداء، بها بعض مقتنيات لوالدها، وبعض أوراقه الخاصة، ويا لها من مفاجأة، مظروفٌ صغير بحجم كف اليد، به كتاب مخطوط صغير.

الكتاب بغير عنوان، خط الرجل أنيق ومقروء، الخط بالرقعة، به بعض الهوامش، استأذنتُ بأنْ أصطَحِب الكتاب معي لمعرفة أسراره ودقائقه، وفكّ مغاليقه.

ووجدتُ بالحقيبة مسرحيّة شعرية لم تُنشر، إضافة إلى بعض المقالات، والصوَر الخاصة.

في البيت، لم أنَم في تلك الليلة إلا بعد الانتهاء من قراءة الكتاب (الأمُّور)  والّذي أطلقته عليه زوجة الأستاذ محمود والتي قادتنا إلى المعادي.

وفي الصباح قرّرتُ نشر الكتاب، وبدأتُ في الإعداد لنشره وأخْذ الموافقات الإدارية لهذا الأمر.

الكتاب اخترت له عنوانًا، وليكن: (تراجم الأوائل والخلفاء.. الأعلام الصغرى).

أما الكتاب فيضمّ نحو مئة وخمسين ترجمة، بدأها الرجل بتراجم بيت النبوة، وقد بدأها بالنبى صلى الله عليه وسلم، ثم انتقل إلى عدنان، ومضر، وكعب بن لؤي، وقصي… ثم انتقل إلى الأئمة الاثني عشر، ومنها إلى ملوك الجاهلية مثل: حمورابي، وقحطان، ويعرب، وسبأ، وحمير، وغيرهم… ثم انتقلَ إلى الخلَفاء الراشدين، ثم خلفاء بني أمية، ثم خلفاء بني العباس ثم الأمويين في الأندلس.

مئة وخمسون ترجمة، منها المختصر، ومنها ما يتميّز بالطول والإطناب، لكن يلاحَظ أنّ تلك الترجمات تخالف ما ورد في كتابه الأهم والأشهر (الأعلام)، وقد أشار الزركلى إلى أنه كتبه في عام (1928م) على ما يذكر.

نشرتُ الكتابَ منضَّدًا على الكمبيوتر بعد كتابة مقدّمة له ودراسة عما ورد فيه، وذلك في القسم الأول من المطبوع، أما القسم الثاني منه فقد نشرتُ صورة للمخطوطة كاملة بخط الرجل نفسه.

د. محمد سالمان

اقرأ أيضًا:

هل المرأة عورة؟!

الشعر في صدر الإسلام وأثره في الدعوة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى