العدد الرابعنصوص أدبية

سفر

سفر

شعر: سندس أبو السمن

سفر
سفر

(1)

باهِتٌ هذَا الوُجودُ،

نهارُهُ كالّليلِ ظلٌّ مُوحِشٌ، عبَثٌ..

غُبارٌ يَرتَديهِ، ويُسقِطُ المَعنَى على أنقاضِهِ،

لا وقتَ فيِهِ يَدورُ حسْبَ زَمانِهِ؛

فالرّيحُ بدّلتِ العوالمَ،

واستفاقَ الطّينُ عنْ جسَدٍ بِلا ماءٍ؛

 تُرابٌ في مهبِّ الموتِ

أو شبَحٌ جريحْ.

**

هادِئٌ صوتُ التّرابِ وقاحِلٌ، طَلَلٌ..

رُكامٌ عالقٌ وجهُ الحقيقةِ تحتَهُ،

لمْ يبقَ غيْبٌ يَرفَعٌ النّفسَ الخفيفةَ بعدَهُ، فالصّوتُ ممحوٌّ،

وهذا القلبُ، لا نجمٌ يلوذُ إليهِ منْ كفّ السماءِ هُناكَ،

أو ضوءٌ شحيحْ.

**

هالِكٌ غيْضُ الحياةِ..

يبَاسٌ انبعَثتْ إليهِ الرّوحُ دونَ سحابَةٍ،

بُثّتْ لهُ الصّلواتُ عارِيَةً عن المَعنى، غناءً بارداً،

وصدىً يُجفّفُ فِي هَزيعِ الّيلِ جهراً

دِفءَ أجراسِ المسِيحْ.

(2)

لِي ملائِكَةٌ هُنالِكَ طيّبونَ، ويصعَدونَ

سلالِمَ الغيْبِ البعيدِ،

يُحدّقونَ بِصرخَةٍ حطّتْ علَى جَسَدي،

فنِمتُ، ولمْ أطِرْ؛ من ثُقلِ ما حمَلتْ يدايَ،

تَلكّأتْ فيّ المسافَةُ

لا سماءَ قريبةٌ تَدنُو هُنا حتّى أعَلِّقَ حولَ أخضَرِها غيابَ الّلونِ عن سَفَري،

وأُمعِنَ في البهاءِ.

الضّوءُ أبعدُ، والظلامُ يفيضُ عنْ جنبيّ،

لا جبلٌ ليعصِمنِي؛ فَمُدّي يا رحيمةُ يا سماءُ

لعلّ ما فوقَ اليَباسِ هُنا حياةٌ تَنشِلُ الوَهمَ المُعلّقَ:

“.. لمْ تَكُن هذِي النّهايةُ،

لمْ أكُنْ طيناً بدائيّاً ينامُ بصرخةٍ،

يغفُو على عجَلٍ، لتبتلِعُ الحقيقةُ ماءَهُ؛

ويَغطَّ في هذا الضّريحْ..”

(3)

عالقٌ بينَ الأحاجِي؛ الوقتُ

والأسطورَةُ الأولَى عنِ النّسيانِ، أو قلَقُ المكانِ،

وما وَرثتُ منَ الخَيالِ المحضِ،

أوْ مِن حِكمةِ الطّين التي تُليَت علَى عقلِي الرّجيحِ.

سَهوتُ عَنْ نفسِي،

وعنْ خوفِي الذي قدْ جفَّ حينَ تَخفّفَتْ منّي يَدايَ،

وَلملَمتْ فيَّ البصيرَةُ نَفسَها،

لا وهمَ ينمُو الآنَ، لا شَيءٌ يَموتُ سِوى يَباسِ الطّينِ

أو ظلٍّ ذبيحْ.

**

خالِدٌ مِثلِي المَجازُ،

يَطيرُ مِن مبنىً إلى معنىً،

ويَترُكُ خَلفَهُ مثلِي الحَياةَ مِظلّةً للريحْ.

قبّلتُ طينِيَ، وانتَبَهتُ،

لأصعَدَ الغيبَ الفسيحْ.

**

 

“The Last Sound”

اللّوحة: الصوتُ الأخير

للفنّان السودانيّ: إبراهيم الصلحي

اختُيرتِ اللّوحةُ لِما علِق من معانِيها ورموزِها في قعرِ الذاكرة، فهِيَ سفَرٌ جليّ وعبورٌ إلى الماوَراءِ، وليسَ في وُسعِ القصيدَة إلّا أن تكونَ مثلَها وأَبعَد، سفرًا لامُنتهِيًا، وتجلّيًا في الماوَراء.

اقرأ أيضًا:

لو أنّها تقرع هذا الباب

رسائل السحاب

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى