العدد الثالثنصوص أدبية

خلف الباب (1-2)

خلف الباب (1-2)

خلف الباب

 

قد يكون هذا الباب موجودا في أي بقعة على هذه البسيطة وقصص السعادة المحدودة والتعاسة غير المتناهية متوفرة وبلا حدود..

لذا كانت هذه المشاهد خلف هذا الباب الموارب..

 

المشهد الأول:

 موت باب

 

ينتشي الباب فرحًا حين يسمع أمَّهم توصيهم باللَّعب أمامه، يظنُّه حارسهم الأمين هكذا حالهم لسنوات.

يضحك ويتدغدغ حين يخطُّون أسماءهم عليه بالطباشير.

كان يكبر معهم عامًا بعد عام، لم يخن الباب يومًا أمانته، لكنهم رحلوا يومًا وتركوه مرغمين، يناديهم الواجب العسكري، كم من حرب مرّت والأمّ والباب ما زالا صديقين قريبين لم يفترقا، ينتظران معًا عودة الغائبين، كان متّكَأها الذي تستند، وجليسها حين تتذكرهم، كان الباب يقوم بمهمّته اليومية يبقى مواربًا ليطمئنها أنّ أحدهم قادم، وإن هاجمته الريح وإن بللته الأمطار هو هكذا منذ زمن، لكنّه بدأ يشيخ وصارت الريح أقوى.. سمع صديقته تنشد ذات حزن تهويدة عراقية قديمة:

“هبّ الهوا وتحرك الباب..

حس بالي يا يمّا جيّة أحباب..

أثاري الهوا والباب كذّاب”.

هنا أصدر الباب صريرًا معلنًا موته.

 

المشهد الثاني:

حروفٌ من طين
ميلاد كاتب

 

خلف هذا الباب عشتُ مع أمّي..

لم يكن في البيت سوى غرفة فيها منامي و موقد أمي ورائحة الطماطة المقلية -أكلتي المفضلة- في هذا البيت كانت أمي تعدّ الأيام كي أدخل المدرسة.. لكنّ لعبي في الدار كان يغنيني عن تعلم الحروف فأنا بارع في بناء الحجارة واللعب بالطين وتشكيله.

في صفّي الأول وبعد عناء كبير في كتابة واجبي وإسرافي في الوقت وإضاعته، اندلق الماء على دفتري وتبللت الحروف وضاعت ملامحها؛ ‏فبكيتُ كثيرًا وأقسمت ألّا أعيده، ونمت بعد أن بللت وسادتي بسيلٍ من الدموع..

‏وعند استيقاظي، وخوفًا من عقاب المعلّم، وجدتُ أمّي قد حاولتْ عشرات المرات أن ترسم الحروف رسمًا.. ‏كانت أمّي أميّة لا تجيد الكتابة!

أدركتُ حينها أن للحروف قيمة، ومنذها وأنا ألعب بالحروف بدلًا من الطين..

 

قصص: زينب الأزبكي

اقرأ أيضًا:

خلف الباب (3-4)

الدرس الأول

في حزنها سمو

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى