العدد الثانيمقالات

رحلة

رِحْلَة...

رحلة

 

هل تشعرون أنّ العدد الذي تُشير إليه أعماركم أكبر أم أصغر من شعوركم بالـ ( رحلة ) أو المشوار الذي قطعتموه؟؟ أم هما متكافئان؟؟

لن تبدأ بطرح هذا السؤال إلّا عندما تنسىٰ أين وضعت نقودك، مفاتيحك…

مضت بنا الأيام دونما شعور بالأرقام ولكن الزمن كان مجدًّا لم يتوانَ في أداء واجبه.

وطريق العمر هذا باتجاه واحد.. أنت تسير إلىٰ الأمام فقط.. هكذا هي الشروط كي تبقىٰ الوجهة الصحيحة.

أتذكّر في بداية العقد الثاني من عمري كنت أحسب كم سأبلغ من العمر عام (2000)؟ لأني كنت أراه رقمًا كبيرًا وبعيدًا..

في أرض العشرينات تشعر بخفة المشي وانتعاش الروح، جموح الأفكار، علوّ الطموح، جمال الأحلام لم أبحث عن دليل يرشدني لأني في الحقيقة عشرينية أمتلك فورة الشباب، وما طرحتُ يومًا سؤالَ الساعة “ثمّ ماذا؟”.. هكذا وببساطة انتهت بحلوها ومرّها.

كانت تخيفني فكرة الثلاثين! وكأنّ تجاعيدَ مختبئة تحت السرير وشعرات بيضاء  ستلتصق بك علىٰ المخدة، ربما لهول تحذير إعلانات التجميل والعناية.

في أرض الثلاثين بدأت أبحث عن دليل ينتظرني مرحِّبًا يقول “مرحبًا أيها الثلاثيني لقد سبقتُك إلىٰ هذا المكان وأودّ إطلاعك علىٰ سياسة المكان، استمتع”.

لكني لم أستمتع.. لم أنتبه لـ”استمتع”!

ورغم خوفي من هذه الثلاثين إلّا أني لم أعدّ العدّة ولم أفهم الدرس لكي أستعد للأربعين، دخلت الأربعين وكان دليلي هذه المرة صامتًا لم يرحب بي لأنني دخلتها مجبرة حيث بدأت تجاعيدي تولد وشعيراتي البيضاء الساخرة من أنواع الأصباغ تنظر إليَّ باستهزاء: أنت هنا رغمًا عنك، هكذا سمعتها تهمس في أذني، أتعبتني وأشغلتني فكرة الأربعين ولم أستمتع أيضًا!

وأخيرًا مرحبًا بكم في دنيا الخمسينات، وبعد أن ذهب كل الشباب أردتُ استعادته!

الجميل في الأمر أن دليلي هذه المرة حادّ الذكاء، استطاع أن يخفف الحزن بكلمات كالسحر قائلًا: تستطيعين نقض هذه المسلَّمات وإنشاء سيناريوهات افتراضية.

وأحد هذه السيناريوهات أن اليوم من نهارَين وليلَين؛ فيصير اليوم ٤٨ ساعة، ولو حدث هذا فأنتِ الآن تدخلين عامك الخامس والعشرين.

وتصوري لو أنّ اليوم يتألَّف من نهارٍ فحسب، واليوم الثاني هو الليل، هذا سيجعل من الشهر ٦٠ يومًا.. وهذا يعني أنني سأهنئك الآن بعامك المئة!

أرأيتِ كيف ننقض سياسة الأمور؟ الأمر ليس إلا إحصاءً رقميًا وبناءً عليه قرَّرنا أعمارنا ومسير حيواتنا ومشاعرنا…

لذلك لا أفهم خوفك من الخمسينات أو دهشتك من شعورك الحيادي، أظن من الطبيعي أن تدخلي الخمسين وكأنك تدخلين غرفتك في صباح اعتيادي، لا شيء مفزع في الأمر.. تجاعيد تعودْتِ رؤيتَها ممكن، تستبدلين صبغة الشعر بأقوىٰ منها ممكن، ولكن لا موت يتمدَّد تحت السرير يحصي خطواتك ويضبط مؤقت ساعته للانقضاض… لا، كل شيء مجهول، وكل شيء يأتي بتدريج بطيء لا محسوس… والشعور بالتقدّم بالعمر إحساس ستشعرين به في أول يوم مواجهة مع الحياة، وكلّما انتهت المواجهة لصالحك ستشعرين أنّ عمرك ما زال غضًا كأحلام الوليد… كذلك السعادة والحب والحلم والأسىٰ… ليس لأيٍّ من هذه الأحاسيس جدول مواعيد، إنها تأتي وفق سيرورة أحداث ليس بيدنا تسييرها عادةً، فما الداعي إلىٰ الحزن؟ ولذلك عليك أن تؤمني تمامًا أن العُمر رقم، والحياة إحساس لا علاقة له بالأرقام غالبًا.

أدركتُ الآن قولَ دليلي الثلاثيني: “استمتعي”.

ولكن هل فهمتُ الدرس فعلًا؟ وهل سأستمتعُ بالآتي من هذه الـ ( رحلة ) ؟

وأنتم هل هناك من يُطمئِنكم؟؟

 

زينب الأزبكي

——————————-

اقرأ أيضًا:

تنمية بشرية

في حزنها سمو

تحميل العدد الثاني من مجلة روى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى