القاموس المحيط والقابوس الوسيط
كتاب القامُوسُ المُحيطُ والقابُوسُ الوَسيط([1])، من كتب المعاجم العربية، ومؤلِّفه الإمام محمد يعقوب الفيروزآبادي -رحمه الله تعالى- (ت 817هـ).
وقد سار فيه على منهج الجَوهَري في معجمه (الصِّحاح)، حيث رتبه على حروف الهجاء باعتبار آخر حرف من المادة، وجعله في ثمانية وعشرين بابًا، وتحت كل باب فصولًا، واعتبر فيها أول حرف من المادة بعكس الأبواب.
وأصلُ القاموس المحيط -كما صرَّحَ المؤلِّف في مُقدِّمته- أنَّهُ جمعٌ لخلاصةِ معجمَين: (المُحْكم) لابن سِيدة، و(العُباب) للصاغاني، مع زياداتٍ كثيرةٍ، وميَّزَ المواد التي لم ترِد في (الصِّحاح) للجوهري بعلامةٍ.
وعلى كثرةِ موادّ الكتاب، إلّا أنه يُعدُّ مختصرًا بالنسبةِ للأُصول، وهو خالٍ منَ الشَّواهِد، ويُعدُّ مِن أنفسِ المراجعِ في بابهِ، والعمدةُ عليه لدى جُلِّ الباحثين.
طُبع في مجلدٍ كبيرٍ، وسيأتي الكلامُ على طبعتهِ الأولى.
- تَنْبيهاتٌ:
التنبيه الأول: يتناقلُ الناس أنَّ العنوانَ الكاملَ للكتاب هو: (القامُوسُ المُحيطُ والقابُوسُ الوَسِيطُ فِيما ذهَبَ مِن لُغةِ العَربِ شَمَاطِيط)، وهذه التسميةُ معروفةٌ قديمًا، وذكرها غيرُ واحدٍ، منهم العلامة الزَّبيدي([2])، والكُتبي حاجي خليفة([3]).
وعندي أنَّها تسميةٌ غيرُ دقيقةٍ؛ لِما يأتي:
- أنَّ المُصنِّفَ نصَّ على تسميتهِ في أوَّلِ الكتابِ، وفي آخِرِه.
فقال في آخرِ خطبتهِ للكتاب: (وأسمَيْتُهُ: القامُوسَ المُحِيط)([4]).
وقالَ في آخرهِ: (هذا آخِرُ القَاموسِ المُحيطِ، والقَابُوسِ الوَسيطِ، عُنِيتُ بجَمْعهِ، وتألِيفِهِ…)([5]).
وجُملةُ (القَابُوسِ الوَسيطِ)، تحتَمِلُ أنْ تكونَ تَتِمَّةً للعُنوان، وتَحتمِل أنْ تكونَ وصفًا للعنوان (القامُوس المُحيط)، والثاني أقربُ؛ إذ لم ينصَّ عليها في مُقدِّمتِه.
والأولى الالتزامُ بتسميةِ المُصنِّفِ، التي نصَّ عليها في أكثر من موضعٍ.
- أنَّ التسمية الطويلة، والمسجوعة، والثقيلة، لم ترِد في نُسَخهِ الصَّحيحة.
يقولُ شارحه الإمام مرتضى الزَّبيدي –رحمه الله- (ت 1205هـ):
«يُوجدْ في بعضِ نُسخِ المُقلِّدينَ، التَّعَرُّضُ لِبَقيَّةِ التَّسمِيَةِ، التي يُورِدُها المُصنِّفُ في آخرِ الكتابِ، وهوَ قولُهُ: (والقابُوسُ الوَسِيطُ)، ففِي بعضٍ الاقتِصارُ علَى هذا، وَفِي أخرى زيادَةُ: (فِيما ذهَبَ مِن لُغةِ العَربِ شَمَاطِيط)، وكُلُّ ذلك لَيسَ في النُّسَخِ الصَّحيحَة، ويَرُدُّ على ذلك -أيضًا- قوله: (لأنَّهُ) أيْ: الكِتاب (البَحرُ الأعظَمُ)؛ فإنَّ هذا قاطِعٌ لبَقِيَّةِ التَّسمِية»([6])ا.هـ.
التنبيه الثاني: حصلَ شيءٌ منَ النَّقصِ والوَهم في (القامُوس)، فتعقَّبه جماعةٌ؛ منهم:
- داود زاده، في ((الدُّرر اللقيط في أغلاط القاموس المحيط))([7]).
- الزَّبيدي، في ((تاج العروس)).
- الكَوْكَباني([8])، في ((فلك القاموس))([9]).
- الهُوريني، في ((حواشٍ)) عليه، ستأتي بعد قليلٍ.
- الشِّدْياق([10])، في ((الجاسوس على القاموس))([11])، رحمهم الله.
التنبيه الثالث: طُبع الكتابُ قديمًا سنة (1272هـ)، في (مطبعة بولاق) بـ(القاهرة)، وصدر في أربعة مجلداتٍ، بعناية جماعةٍ، منهم العلامة الهُوريني([12]) -رحمه الله-، ووضعَ له مقدمةً نفيسةً، وكتبَ عليه (حواشٍ)، و(استدراكاتٍ)، و(تعقُّباتٍ)، اكتملَ بها الكتاب.
وكثيرٌ من طلبةِ العلمِ يقرؤون حواشي الهُوريني، ويستفيدون منها، وينقلون عنها، ولا يعلمون مَنْ كاتبها، وصُورَت الطبعةُ كثيرًا، حتى أنَّ الطَّبعات الحديثة ومنها طبعة (مؤسسة الرسالة)، استفادت منها، ومن حواشِي الهُوريني.
————————–
([1]) «القاموس المحيط»؛ مؤسسة الرسالة (بيروت)؛ ط السادسة (1419هـ).
([2]) «تاج العروس» (1/73)، (40/575)، وبنحوه في (9/292)، وفي (20/294) ذكرَ نصفَ التسميةِ فقط.
([4]) «القاموس المحيط» (ص 27).
([5]) «القاموس المحيط» (ص 1357).
([7]) «الدرر اللقيط»؛ محمد بن مصطفى داود زاده (ت 1017هـ)؛ت سكينة بنت عبد الله الكحلاني؛ رسالة ماجستير؛ جامعة أم القرى (مكة المُكرمة)؛ سنة (1417هـ)؛ ولم أرَه مطبوعًا، والله أعلم.
([8]) المُحدِّث: عبد القادر بن أحمد، الحَسَني (ت 1207هـ)، عالمٌ مجتهدٌ، يمنِيٌّ، زَيدِيٌّ، وأحدُ شيوخ الإمام الشَّوكاني -رحمه الله- (ت 1205هـ)، وهو من ذرية الإمام المهدي أحمد بن يحيى.انظر ترجمته في: «البدر الطالع» (ص399)، و«نيل الوطر» (2/44)، «الأعلام» (4/37)، و«هِجَر العلم» (4/1891).
([9]) «فلك القاموس»؛ ت. إبراهيم السَّامرائي؛ دار الجيل؛ (بيروت)، ط الأولى (1414هـ).
([10]) «الأديب»: أحمد فارس أفندي الشِّدياق (1304هـ)، لبناني، مارُوني، كان نصرانيًا فأسلمَ، وهو لُغوي، صحفي، رحَّالة، ومن كِبار أُدباء عصره، ومنشئ «صحيفة الجوائب» في «الأستانة»، وهي أولُ صحيفةٍ عربيةٍ. انظر ترجمته في: «الأعلام» (1/193).
([11]) «الجاسوس على القاموس»؛ مطبعة الجوائب (إسطنبول)؛ ط الأولى (1299هـ).
([12]) العلامة: نصر أبو الوفاء، الهوريني، الأزهري –رحمه الله- (ت 1291هـ)، رئيس قسم التصحيح في «المطبعة الأميرية»، وأحد مشاهير المُصحِّحين بـ «مصر»، وله جهودٌ مباركة في تصحيح ما تمَّ نشره في زمنه، وله «حواشٍ» مفيدةٌ على الكتب التي قام بتصحيحِها. وله «المطالِع النَّصرِية للمطابع المصريَّة في الأصول الخطية»، وطبع كثيرًا بعنوان: «قواعد الإملاء»، وهو من أنفس كتب الباب، ولعلَّه أوَّلُ عملٍ يجمعُ مسائلَ البابِ في كتابٍ واحدٍ، ورُبَّما كتبه كونه مشتغِلًا بتصحيح الكتب؛ يدلُّ على ذلك عنوانه، وليس من ألَّفَ مُنظِّرًا، كمن ألَّف وقد مارسَ واشتغل بما ألَّف فيه. انظر ترجمته في: «الأعلام» (8/29).
4 تعليقات