العدد الخامسعالم الكتب

كتاب جوانب من الحضارة الإسلامية لعبد الرحمن الحجي

كتاب “جوانب من الحضارة الإسلامية” لعبد الرحمن الحجي

فاتن مصطفى السامرائي·

كتاب "جوانب من الحضارة الإسلامية" لعبد الرحمن الحجي
كتاب “جوانب من الحضارة الإسلامية” لعبد الرحمن الحجي

 

عن المؤلف:

عراقي المولد والأصالة، شيخ المؤرخين في التأريخ الأندلسي، أستاذ التأريخ الإسلامي والأندلسي والسيرة النبوية في جامعات عربية آخرها في بغداد.

أخذ اتجاهه وصب اهتمامه في تاريخ الحضارة الإسلامية الأندلسية.

وبحث فيها وكتب وحقق وترجم.

هو صاحب أول مؤلَّف يشمل تأريخ الأندلس من الفتح وحتى سقوط غرناطة، وتعد مؤلفاته بضمنه المذكور توًا مرجعًا ومنهجًا، لرصانتها. كما أنه مؤلف المناهج لمراحل مدرسية في الإمارات، التي برز دوره التدريسي فيها ومنع من دخولها آخر فترة حياته. له عدة شهادات منها الدكتوراه في التأريخ وآخرها الأستاذية من بغداد، ودرّس في عدة جامعات لعدة دول، حتى توفي إثر نوبة قلبية بعيدًا عن وطنه في مدريد. ولا يسع هنا ذكر مناقبه، وآثاره التي امتاز بها وهي خير لا محدودٌ نفعه.

هذا الكتاب:

هذا الكتاب الصغير وعنوانه مشوقان لاطلاع الباحث والمهتم بالحضارة الإسلامية، وهو نهج -الاطلاع على الحضارة الإسلامية- لا بد منه لكل مسلم؛ ليعرف أن دينه دستور حياة كامل، لا كما يغيّبُنا اليومَ ومنذ غير قريب المغرِضون عن هذه الحقيقة.

أسلوبه:

أسلوب الدكتور عبد الرحمن الحجي -رحمه الله- يسير الفهم، والفكرة فيه واحدة تنم عن عقل عارف هاضم للقضية. بمجرد أن تنهي هذا الكتاب تغلقه؛ لتفتح عناوين أخرى تنهل بها من بحر الحضارة الإسلامية التي وسعت كل جوانب الحياة. فيبدو هذا الكتيب كمفتاح للبحث والتقصي لما غاب عن الكثير.

مضمونه:

ذكر الدكتور بشكل موجز منهج العلاقات الدولية التي كان يتعامل بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- من البيئة البسيطة مقابل ما يسمى حضارات -زعمًا- عريقة الامتداد، وهمجيتها في التعامل مع ضيوفها حد التعذيب والقتل؛ وهو إن دل فعلى ركاكة أساس هذه الحضارات، إذ يخشى ملوكها وقاداتها من أن تُستغل ثغراتها، فلا مبدأ لهم يقويهم تجاه الأفكار الجديدة الدخيلة، إنما قوتهم باغتصاب البلدان، واستخدام خيراتها، ومعادنها كدروع، وأسلحة، وهذا هو كل ما لديهم. أما هذا الفكر الجديد فيحمل مبدأ، وعقيدة تدفعه، مع تنظيم، وخطوات محسوبة، وثقة بأن دولة جديدة وحضارة تقام على أساس قوي ستنهض وتنافس حضارات مقامة لها أمد بعيد.

اقتباس: “لقد عاش المجتمع الإسلامي بكل عصوره وأحواله موضوع العهود وحسن التعامل مع الآخرين على أساس خلقي وصادق. وكل ذلك مرتبط بالعقيدة الإسلامية والخوف من الله تعالى. وترسخت هذه الصفة وغيرها حتى غدت وبدت أخلاقية أصيلة تميز بها المجتمع المسلم وجربها وأقر بها كل أولئك الذين تعاملوا مع المجتمع المسلم”. (ص٣٢)

في ذكر الجانب العلمي والثقافي للحضارة الإسلامية أوضحَ الدكتور أن الثروة العلمية والثقافية خلال عصور مختلفة تلك التي قسمها المؤرخون إلى عصور ثرية وعصور مظلمة، لا بد من دراسة البيئة في كل وقت منها وشخصية الأعلام ومقاصدهم. ويجيب على هذا التساؤل بأن العالم وقتذاك كان يعطي بسخاء العلوم التي كافح وقضى سني عمره في التهام المعارف المختلفة ليخرج بفهم تحتاجه الأمة. كان يعطيه لوجه الله تعالى، فالمقصد الشريف سبب في أن يعين الله تعالى العالِم، وقد ذكر منهم الدكتور الكثير كـ (ابن حزم الأندلسي، وشمس الدين الذهبي، ومفسري القرآن مثل الحافظ بقي بن مخلد) وفي أذهاننا الآن تلمع أسماء كثيرة. ومن أسباب هذا الثراء العلمي والثقافي هو حَثُّ الإسلام أساسًا على طلب العلم فاهتم الأعلام في تلك الأوقات بطلب العلم والبذل في سبيله كل المستطاع، وهنا ذكر الدكتور رحمه الله ما جعلني أملك مشاعر مختلفة في آن واحد:

اقتباس: “كل ذلك كان يجري والتعليم حر يقوم به الناس قبل الدولة، والمدارس الرسمية قليلة، فغدا العلم -طلبه وتعليمه ورعايته- طبيعة وسِمة أقامتها العقيدة الإسلامية، وتلك واحدة من ثمارها”. (ص ٥١).

فأين نحن اليوم من انشغالنا بالعلم غير النافع الذي أصبح ضرورة لمواكبة العالم وللعمل فلا سبيل للتهرب منه إلا من زهد في الدنيا ورضًى بالقليل.

الجانب الحضاري المظلوم:

كان للجانب القضائي في الحضارة الإسلامية أهمية عنده، وقد وصفه بأنه مظلوم تأريخيًا، وهذا الباب يفتح للقارىء أن يبحث عنه المزيد.

وحقيقة هو جانب غير قليل الأهمية فحين قرأت في كتاب “صور من حياة التابعين” لعبد الرحمن رأفت الباشا، قصة شريح القاضي، كم أثرت بي القصص التي ذُكرت (ص١١٧). فالقاضي المسلم يعمل وفق دستور القرآن، ويتميز بعقلية وفطنة ونباهة وهذا يدل على اهتمام الإسلام بكل جانب من الحياة، وضرورة التمسك بكتاب الله. إذ لا غنى لنا عنه، ولا تغرنا الدول المتقدمة وتطورها أي غرور؛ فهي خالية من كل عدل ودساتيرها وضعت بعقول بشرية بصرها محدود وبصيرتها محدودة. وما يحصل معنا اليوم من تأخر ليس لأننا لم نواكب تقدم المتقدمين؛ بل لأننا تخلّينا شيئًا فشيئًا عن أسباب تقدمنا الخاص وبين أيدينا كل الأسباب. كمن بيده المفتاح وأمامه الباب لكنه أعمى بصر وبصيرة وأضاع تعليمات الاستخدام.

____________

  • تربوية وكاتبة، من العراق.

 

____________

اقرأ أيضًا:

عبد الرحمن الحجي: أستاذي الذي عرفته

الدكتور الحجي: خاتمة جيل الفاتحين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى