مقالات

الخطاب السلفي المعاصر

الخطاب السلفي المعاصر

 

إنّ الخِطابَ السلفيَّ المعاصرَ يحيا اليومَ خارج سياق الواقع، أسيرًا بين أروقة بعض الحِقَب الزمنية وبعض قضايا التاريخ العقدية، ولا يُدرِك أربابُه معنًى للزمن وتطُّور أدواته، وفروض الواقع ومستجدّاته.

هذا الخطاب من أخطر ما تواجهه المجتمعات في الوطن العربي اليوم؛ وذلك لأننا في أخطر حقب التاريخ الإنساني، نحيا بين تزاحم بعض الدول على قيادة العالم، وإعادة صياغته من جديد.

وأدوات الصراع في العلاقات الدولية لا تَستبعد الطائفية والمسائل العقدية والقضايا التاريخية في الاستقطاب والانقسام الداخلي بين الشعوب، لمنع تحالف ناشئ أو لتكوين تحالف جديد.

واستخدام الخطاب السلفي المحافظ في توجيه الجماهير ليس جديدًا، وليس غريبًا على منطقتنا، ولكن ما نعانيه اليوم هو خدمة الخطابات السلفية المعاصرة لِمَصالح أعدائنا، فلا تجدها إلا في زيادة فرقة الأمة وتشتتها وتشرذم جموعها!

في الوقت الذي نحتاج فيه إلى خطاب يراعي الأولويات وفقه الواقع مبتعدًا عن القضايا الفرعية التي لا تنفع المسلمين في دينهم، بل تشغلهم عن مواجهة تحديات عصرهم ومعالجة أزمـاتـهم.

ولـن تصـمد تلك الخِـطابـات والمجتمعات الدينية المنعزلة داخل أروقة التاريخ، ما دامت حبيسةَ بعضِ المسائل العقدية والفقهية التي تصنف غيرها فيها، باحثةً عما يفرقها عن غيرها أكثر من بحثها عما يجمعها ب غيرها، وذلك مثل خطابهم الطائفي عن الشيعة دون مراعاة ظروف الوقت الراهن –في ظل مستجدّات القضية الفلسطينية-، فإن استعادة بعض القضايا الخلافية بين السنة والشيعة هو ما يتمنى أي عدو لهما إيقاد ناره بينهما. وكذلك موقف بعض رموز السلفية من حرب غزة الأخيرة والتي ما زالت مشتعلة، حيث لم ينفكوا عن نقد المُقـاومة ورمـوزها، والتشكيك في إنجازاتها على الأرض ضد الاحتلال، والبحث عن مَواطن خللها، وتوبيخهم على حركتهم يوم السابع من أكتوبر 2023م، والتقليل من جدواها ومكاسبها. وكذلك التشنيع عليهم بسبب استفادتهم من المحور الشيعي دون اقتراح البديل السني المناسب لهم!

وأمام ذلك الخطاب السلفي الذي يفتقد أبجديات الوعي السياسي وظروف القضايا الإقليمية المختلفة، وأمام تلك الغارات الفكرية من الشرق والغرب، لا يملك المسلم إلا أن يتحصن بالوعي، وأول مناطاته: إدراك الواقع بكل مفرداته، وفهم أولوياته، مع امتلاك أدوات العصر ووسائله الحديثة، ومعرفة مسالكه، في ظل منظومة الحروب الفكرية والاجتماعية التي لن تصمد أمامها تلك الخطابات السلفية المعاصرة، والتي لا تهتم إلا بنبش قبور التاريخ، وإثارة الجدالات العقيمة حول بعض فروع العقيدة والفقه، ومحاولة إقصاء المخالف وتبديعه أو تكفيره، والسعي في تسقيطه بشتّى الوسائل!

ويُخطِئ مَن يظنّ أنّ الحروب الاستباقية مجالها ميادين المعارك بالسـلاح، بل الأفـكار ومنتجـات الحضارة أصبحت كلّها أسلحة فتاكة، ومَن لم يحصّن نفسه بعلوم العصر وفقه الواقع وفَهم مقاصد الشرع ومراتب المَصالح والمَفاسد، سيُصبح خِطابه أضحوكةً يُتندَّر به.

وقديمًا عَرف الفقـهاءُ الفقـهَ الافتـراضـيَّ الّذي برع في مسائله الفقهاء، والآن نجد الفقه الإسلامي عامّةً والخِطـابَ السـلفيَّ خاصّـةً بحاجة إلى فقهِ النـوازل في جميع المَجالات، أكثر من حاجته إلى اجترار مسائل فقهيّة لم تَعُد مَطروحة، وضعُفَت الحاجة إليها.

د. كريم مصطفى نفاذي

_________________________________________________________________________________________

اقرأ أيضًا:

المصطلحات النحوية

شيخ المحققين في بلاد الرافدين محيي هلال السرحان

editor

هيئة التحرير بمجلة روى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى