مقالات

من القضايا المنسية قضية تركستان الشرقية

القضايا المنسية
(قضية تركستان الشرقية)

أحمد خضر الحمداني

باحث في علم التاريخ، من العراق

 

تُعَدّ قضية تركستان الشرقية واحدةً من أكثر القضايا الإنسانية إيلاماً ونسياناً٬ بل لعلها من أعقدها وأشدها وجعاً. فهناك تُمحى الهوية٬ وتُغتال الكرامة٬ ويُفرّق بين الأب وأبنائه٬ وتُعتقل الأمهات دون ذنب٬ لا لجريمةٍ اقترفوها أو لعملٍ ارتكبوه٬ بل لأنهم مسلمون متمسكون بدينهم٬ محافظون على عاداتهم وتقاليدهم٬ وموقنون بوحدانية الله جلّ في علاه.
قال تعالى: {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد} [البروج: 8].

تاريخ تركستان الشرقية في سطور:

تقع تركستان الشرقية في قلب قارة آسيا٬ يحدّها من الشمال منغوليا٬ ومن الجنوب التبت وكشمير٬ ومن الشرق الصين٬ ومن الغرب دول أواسط آسيا التركية (كازاخستان٬ طاجكستان٬ وقيرغيزستان).
وتركستان الشرقية جزء من “تركستان الكبرى” التي تضم تركستان الغربية والتي تحوي دوّل أواسط آسيا التركية ولذلك سمّيت تركستان الشرقية بهذا الاسم تمييزاً عن تركستان الغربية.
سكانها ينحدرون من الأقوام التركية٬ ويدينون بالإسلام٬ ويُعرفون باِسم الإيغور٬ أي الاتحاد أو التضامن. يبلغ عددهم نحو أحد عشر مليون نسمة يُشكّلون قرابة 45% من سكان الإقليم٬ أما البقية فهم من أقلياتٍ أخرى كالتتر والأوزبك والطاجيك.
يتحدث الإيغور اللغة الإيغورية المنحدرة من التركية والمكتوبة بالحروف العربية٬ وهم لا يجيدون اللغة الصينية.

في القرن الأول قبل الميلاد توسعت سلالة الهان الصينية غرباً وأقامت مقاطعات في المنطقة٬ ثم في القرن الثامن عشر سيطرت سلالة المانشو (تشينغ) وأطلقت عليها أسم شينجيانغ٬ وتعني بالصينية الإقليم الجديد.
شهدت تركستان الشرقية ثوراتٍ عدة ضدّ هذا الاحتلال٬ أبرزها عامي 1825–1827 و1864–1878. وقُعمت بوحشيةٍ بلغت حدَّ الإبادة الجماعية.
ثم تحرّرت عام 1933 وأُعلنت أول حكومة لها بقيادة عبدالله بوغرا وخوجا نياز٬ لكنها لم تدم سوى عامٍ واحد. وأُعلنت الاستقلالية مرةً أخرى عام 1944 بدعمٍ من الاتحاد السوفيتي٬ غير أن هذا الاستقلال انتهى عام 1949 مع سيطرة جمهورية الصين الشعبية٬ لتبدأ مرحلةٌ جديدة من المعاناة والظلم.

المظالم التي يتعرّض لها شعب الإيغور المسلم:

ما يواجهه الإيغور اليوم فاق كل تصوّر٬ حتى صار مثالاً حياً على الظلم الممنهج في هذا العصر.
فقد اعتقلت الصين نحو مليون مسلم في معسكراتٍ تُسمّيها زوراً معسكرات إعادة التأهيل٬ دون محاكماتٍ أو تهمٍ حقيقية٬ والغاية هي غسل أدمغتهم وإجبارهم على ترك دينهم والتخلي عن هويتهم الإسلامية.
تم تفريق العائلات؛ الرجال يُساقون إلى المعتقلات٬ والنساء والأطفال يُرحّلون إلى مناطق بعيدة. بل إن النساء يُجبرن على الزواج من الصينيين من عرقية الهان٬ في محاولةٍ لطمس النسب والهوية.
أما المظاهر الإسلامية فتكاد تكون ممنوعة؛ تُراقب المساجد٬ وتُحظر اللحى والحجاب٬ وتُزرع الكاميرات في الشوارع والمطاعم بل وحتى داخل البيوت٬ لملاحقة من يُظهر التزاماً بدينه.

لقد أصبحت تركستان الشرقية اليوم سجناً كبيراً٬ تُدار فيه حياة الملايين تحت عين الرقيب. وكأن محاكم التفتيش الإسبانية التي فتكت بمسلمي الأندلس قد عادت بثوبٍ صينيًّ جديد٬ لتفتك بمسلمي الإيغور بلا رحمة ولا ضمير.

إن ما يحدث في تركستان الشرقية لا يقلُ فظاعةً عمّا يجري في فلسطين٬ بل يكاد يكون أشدّ من حيث الإبادة والصمت الدولي.
ومع ذلك٬ يظل الأمل في قلوب المسلمين هناك كبيراً٬ إذ يؤمنون بأنّ الخقّ لا يموت وإن طال الزمان٬ وأنّ الله تعالى وعد عباده بقوله: {ولا تحسبنّ الله غافلاً عمّا يعمل الظالمون} [إبراهيم: 42].

 


اقرأ أيضًا:

لماذا السودان؟

النكسة المعكوسة وميلاد الوعي الجديد

نكبة المسكوت عنه والشيخ الددو يضحك ملء شدقيه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى