عرض كتاب فن الدراسة لعبدالرحمن رأفت الباشا
عرض كتاب “فن الدراسة”
لعبد الرحمن رأفت الباشا
سلطان صلاح
مع إقبال العام الدراسي، تظهر على السطح مشاكل الطلبة العويصة ومعاناتهم العميقة نتيجة الدراسة؛ فيمر العام عليهم كمرور العلقم الشائك في الحلق، ولا يتحصلون منه على أي فائدة معرفية أو دِربة منهجية توصلهم إلى المراد المزعوم من العملية التعليمية. ويعود السبب في ذلك إلى عدة أطراف كأنها تحالفت وتعاونت واتفقت على طمس معالم الجمال المعرفي؛ فمعلّم لا همّ له سوى نهر الطالب وإثقاله كاهله بالواجبات دون تلقينه منهجًا علميًّا متوازنًا، وأهالٍ يستقبلون أبناءهم كأنهم عادوا من مهمة سرية أثناء عملهم في الموساد، وثالثة الأثافي غباء الطالب نفسه وعدم معرفته بما يريد أن يسلكه في حياته المعرفية، أو قل الأكاديمية، فيخبط خبط عشواء تحت ضغوط الحداثة ومخلّفاتها الفكرية وأعباء المجتمع؛ فلا هو يدرس، أو إن درس فلا يدرس بإتقان يوصله إلى مراده المقصود.
والقلّة القليلة من المقرّرين لمصير العملية التربوية هم مَن يدركون عُمق ما يحدث وآثاره السيئة على الأجيال. ومِن هؤلاء الذين استعرضوا المشكلة وحاولوا علاجها: الدكتور عبد الرحمن رأفت باشا، المشتهر بكتبه عن الصحابة والتابعين، إذ كتب كتابه “فن الدراسة” مختزلًا فيه تجربته الطويلة معلّمًا ومتعلمًا. وقد بدأت قصته مع هذا الفن حين اشترى كتابًا يحمل هذا العنوان من سوق الأزبكية الشهير في مصر.
ينطلق المؤلف ابتداءً من أن الركيزة الأولى للمضي في سبيل تحقيق الهدف المنشود من الدراسة هي وضع برنامج يتناسب مع احتياجات واضعه وقدراته، بحيث تمضي كل ساعة من يومه وهو يحقق جزءًا من هذا البرنامج. ولا يُشترط في بداياته أن يحقق كل أهداف البرنامج المرسومة، بل يسلك طريق تحقيقها كاملة بالتدرج، بعد الجدّ والمثابرة والسعي الدؤوب.
ومع ذلك، فمن الطبيعي أن يعتري الفرد بعض الجَهد والتعب أثناء إنجاز برنامجه، فالتعب أساس تنفيذ العمل، غير أن هذا لا يعني إهلاك النفس أو تحميلها ما لا تستطيع من شدائد الطريق، بل لا بد من الموازنة بين التعب والراحة حتى يقطف المرء ثمرة جهده.
وبعد تجاوز العوائق، ووضع البرنامج، ينتقل الطالب إلى المرحلة المهمة المعنية بهذا الأمر، وهي مرحلة الدراسة، التي يقسمها المؤلف إلى ثلاث:
- ما قبل الحصة (الإعداد)،
- ومرحلة الحصة (الإصغاء)،
- ثم ما بعد الحصة (المذاكرة).
ويصف هذه المراحل وصفًا وجيزًا، غير أنه يُولي الاهتمام الأكبر بمرحلة المذاكرة، فيقسمها إلى خمس خطوات مستفيضة.
واهتمامه الشديد بالمذاكرة يُذكّرنا بما رُوي عن الإمام الزهري أنه كان يرجع إلى منزله وقد سمع حديثًا كثيرًا، فيعيده على جاريةٍ له من أوله إلى آخره كما سمعه، ويقول لها: «إنما أردت أن أحفظه».
ثم يختم المؤلف كتابه ببيان السبب الباعث على الدراسة، ويكتب نصيحة وجيزة للطلاب، حريٌّ بكل من يريد أن ينهض بمستواه أن يأخذ بمجامعها.