
نـهـايـة إسـرائـيـل
للبروفيسور جون ميرشايمر
قراءة وتعريب : عمر السنوي
المدخل الدراسي:
يُعَدّ الأمريكي جون جوزيف ميرشايمر (John J. Mearsheimer) (1947م)، أحدَ أبرز أعلام المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، ومِن أشهر المنظّرين لِمَا يُعرف بـ«الواقعية الهجومية» (Offensive Realism) التي ترى أن الدول تسعى دومًا لتعظيم نفوذها وسلطتها حفاظًا على أمنها في نظام دولي فوضوي (anarchic).
ميرشايمر هو أستاذ العلـوم السياسية بجامعة شيكاغو، عُرف بحدّته في نقد السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، كما عُرف بصراحته في مناقشة النفوذ الإسرائيلي في الولايات المتحدة، واشتهر بمؤلَّفه المشترك مع ستيفن والت «اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية» (2007م)، وهو الكتاب الذي أحدث زلزلة فكرية وسياسية في الأوساط الأكاديمية والإعلامية الأمريكية، لما تضمّنه من تحليل مسهب لآليات النفوذ الصهيوني داخل مؤسسات القرار الأمريكي، وكيفية توجيهه مسارات السياسة الخارجية بما يخدم مصالح إسرائيل حتى على حسـاب المَصـالح القوميـة الأمريكية ذاتـها.
يمتـاز ميـرشـايمر في تحليـلاته بصرامة المنهج الواقعي القائم على حسابات القوة والمصلحة، لكنه لا يخلو من نزعة أخلاقية إنسانية تظهر في نقده اللاذع للسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، وهو ما تجلّى في مقالته الشهيرة سنة (2010م) المعنونة -في ترجمتها العربية- بـ “إسرائيل والمستقبل الكالح المحتوم“ التي يمكن أن نسمّيها: (نهاية إسرائيل) دون أي مبالغة، فهي مقالة من أجرأ ما كُتِب من النصوص الغربية في التنبؤ بانهيار المشروع الصهيوني من داخله.
المقالة ورؤيتها:
كتب ميرشايمر تلك المقالة في لحظة سياسية حبلى بالتحولات، عقب إخفاق مساعي الرئيس الأمريكي الأسبق: باراك أوباما، في استئناف عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبعد تعاظُم الاستيطان وميلان المزاج السياسي في إسرائيل ميلًا سافرًا نحو اليمين.
انطلق الكاتب من فرضية جوهرية مفادها أن إسرائيل تسير بخُطى ثابتة نحو ضمّ المزيد من الأراضي الفلسطينية وغيرها تحت سيطرتها الكاملة. وخلص إلى أن هذا المسار سيقود حتمًا إلى واحدة من أربعة إجراءات كلّها تقود إلى نهاية إسرائيل حتمًا:
- حلّ الدولتين: وهو مع كونه أقرب الحلول السلمية إلا أنه أبعد ما يكون عن التحقيق، لأنه مخالف لطبيعة السياسة الإسرائيلية، ومناقض للمبدأ الصهيوني التوسّعي.
- دولة ثنائية القومية: يتساوى فيها الفلسطينيون واليهود. وهذا الحل يهدم جوهر الفكرة الصهيونية.
- التطهير العرقي، أي: طرد أو إبادة الفلسطينيين للحفاظ على الطابع اليهودي للدولة.
- نظام الفصل العنصري أو ما يسمى: (الأبارتهايد)، وهو الأفق الأرجح، حيث تبسط إسرائيل هيمنتها المُطـلـقـة على الأرض، وتُبقي الفلسطينيين في مناطق معزولة هزيلة السيادة.
ويرى ميرشايمر أن ما يسمّى بـ”حلّ الدولتين” ليس سوى وهمٍ سياسي، لأن ميزان القوة الداخلي في إسرائيل مائل إلى اليمين، ولأن اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة يمنع أي إدارة أمريكية من ممارسة ضغط فعليّ على حكومة إسرائيل. وهكذا تستمر إسرائيل في توسيع مستوطناتها، بينما يُساق العالم إلى تصديق خرافة المفاوضات والسلام.
ويستنتج الكاتب أن الدولة العِبرية، إن استمرّت على هذا النهج، فلن تلبث أن تغدو دولة فصلٍ عنصري مكشوفة، بما يُفقدها شرعيتها الأخلاقية ويجعلها عبئًا استراتيجيًا على الغرب، ومن ثمّ ستنهار فكريًّا وسياسيًّا، وتتحوّل -في نهاية المطاف- إلى دولة ديمقراطية ثنائية القومية يطوي في داخلها الفلسطينيون الحُلمَ الصهيوني طيّ النسيان.
كانت هذه المقالة، في جوهرها، استشرافًا مبكرًا لانحلال المشروع الصهيوني من داخله؛ إذ قرأ ميرشايمر التحولات الديموغرافية والسياسية بوصفها قنابل موقوتة داخل البنية الإسرائيلية، ورأى في تحالف القوة والغطرسة والاحتلال بذورَ الفناء التي ستنبت سقوطًا ذات يوم.
بين الاستشراف والواقع:
بعد مرور أكثر من عقدٍ ونصف على تلك المقالة، جاءت (حرب غزة 2023–2025م) عقب عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، لتُعيد ميرشايمر إلى صدارة المشهد الفكري مجددًا. وفي سلسلة من المقالات والمقابلات صرّح ميرشايمر بأن ما تفعله إسرائيل في غزة هو “جريمة ضد الإنسانية”، وأنها تخوض حرب إبادة ممنهجة تستهدف المدنيين والبنية المجتمعية الفلسطينية بأسرها.
وقد أعلن بوضوح أنّ (حلّ الدولتين) قد مات نهائيًا، وأن إسرائيل قد اختارت طريقين لا ثالث لهما: إمّا الفصل العنصري الدائم، وإمّا التطهير العرقي الشامل. يقول في إحدى مقابلاته (2023م): «لا أعتقد أن حلّ الدولتين ما يزال ممكنًا بعد السابع من أكتوبر؛ فإسرائيل تسير في طريقٍ لا يقود إلا إلى الأبارتهايد أو الإبادة».
إنّ المقارنة بين رؤيته في المقالة القديمة وموقفه الراهن تُظهر ثبات الجوهر وتحوّل الصيغة:
- فالرؤية الأولى كانت استشرافًا تحذيريًا، تتنبأ بمآلٍ مظلم إن استمرّت إسرائيل في سياساتها.
- والرؤية الثانية تقرير واقعيّ بأن ذلك المآل قد وقع فعلًا؛ إذ لم يعد الـ”أبارتهايد” افتـراضًا بل حقيقة شـاخصـة.
لقد انتقل ميرشايمر من التحليل الاستباقي إلى الحكم القطعي، ومن التنبيه إلى الإدانة، فاستبدل لغة التحليل البارد بلغة الضمير الأخلاقي، وراح يتحدّث عن الإبادة الجماعية وانهيار السردية الصهيونية، ورأى أن إسرائيل لم تعد “حليفًا استراتيجيًا” للولايات المتحدة، بل عبئًا يورّطها في صِدامٍ مع العالَمَين العربي والغربي.
تحليل ونقد:
تُظهر المقارنة أنّ ميرشايمر كان ثابتًا في رؤيته البنيوية للمسألة الإسـرائيليـة/الفـلسـطينيـة: فالدولة اليهودية القائمة على السيطرة لا يمكن أن تبقى ديمقراطية أو أخلاقية. لكنّ التطورات بعد 2023 جعلت تحليله أشدّ واقعية وأقرب إلى التحقّق، حتى بات يتحدث عن مرحلة ما بعد الصهيونية من داخل الخطاب الأمريكي نفسه.
إنّ رؤيته سنة (2010م) بأنّ إسرائيل إن سارت على نهجها ستغدو دولة فصلٍ عنصريٍّ منبوذة، قد تحققت اليوم بجلاء، فالحرب على غزة لم تَعُد تُظهِر إسرائيل بوصفها دولة محاصَرة، بل كقوّة استعمارية تمارس العنف الأقصى بلا قيدٍ أخلاقي ولا سياسي.
ولعل المفارقة التي نبّه إليها ميرشايمر قديمًا -أن اللوبي الإسرائيلي نفسه يعمل من حيث لا يشعر على تدمير مستقبل الدولة التي يدافع عنها- قد بدت اليوم أوضح من أي وقتٍ مضى، إذْ صار الدفاع عن إسـرائيل عبئًا أخلاقيًّا على الغرب، وأضـحى الحُلم الصهيوني في مواجهة سـؤال البقاء ذاتـه.
خلاصة القول:
إنّ مقالة ميرشايمر سنة (2010م) كانت بمثابة بشارة بنهاية الدولة العبـرية الصهيونية، أما مواقفه بعد السابع من أكتوبر (2023م) فقد صارت شهادة وفاة فكرية لذلك الكيان من منظور العقل الغربي نفسه.
فما كان ذلك الحين تنبّؤًا تحليليًّا، أصبح اليوم واقعًا ناطقًا: إسرائيل تمضي في طريق الفصل العنصري والتطهير، والغربُ -بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية- بدأ يواجِه استحقاقات ذلك الانحياز الأعمى الذي نبَّه إليه ميرشايمر منذ خمسة عشر عامًا([1]).
*********
النصّ المعرّب:
إسرائيل والمستقبل الكالح المحتوم
جون ميرشايمر
لقد استطاع الرئيس باراك أوباما -بعد طول اجتهاد- أن يستميل إسرائيل والفلسطينيين إلى مائدة التفاوض من جديد، راجيًا -ومعه عامة الأمريكيين- أن تُفضي هذه المباحثات إلى قيام دولةٍ للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. غير أنّ هذا المأمول -مع الأسف الشديد- مما لا يُرجى وقوعه، بل المرجَّح عند ذوي البصائر أنّ تلك الديار ستُضَمُّ آخر الأمر إلى ما يُسمّى بـ”إسرائيل الكبرى”، فتغدو -لا محالة- دولةَ فصلٍ عنصري، تُشاكِل في نظامها ما كان عليه حكم البيض في جنوب أفريقيا.
وللمستقبل القريب بشأن إسرائيل والأراضي المحتلّة أربعةُ مسالك محتملة؛ أشهرها وأكثرها دورانًا على الألسنة: حلُّ الدولتين. وفيه تقوم دولة فلسطينية على ما يزيد على خمسةٍ وتسعين في المئة من أرض الضفة الغربية، وعلى كامل قطاع غزة، مع تبادلٍ في بعض الرقع من الأرض يُعوِّض الفلسطينيين عمّا تصرّ إسرائيل على ضمّه. وتكون القدس الشرقية عاصمة تلك الدولة.
أما ما عدا هذا الحل، فإنّ جميع البدائل تُفضي إلى قيام “إسرائيل الكبرى”، أي إسرائيل التي تهيمن فعلًا على غزة والضفة.
فأول تلك البدائل: أن تكون دولة ثنائية القومية، يتساوى فيها اليهود والفلسطينيون في الحقوق السياسية. غير أنّ هذا المسار يهدم الأساس الذي قامت عليه الصهيونية، إذ سرعان ما يَرجَح الميزان السكاني لصالح الفلسطينيين.
وثانيها: أن تُقدِم إسرائيل على طرد معظم الفلسطينيين من تلك الأرض، محافظةً بذلك على طابعها اليهودي من خلال سياسة تطهير عرقي، شبيهة بما وقع عام (1948) حين أُرغم سبعمئة ألف فلسطيني على مغادرة ديارهم، فصاروا في الشتات.
أما البديل الثالث والأخير: فهو نظام فصلٍ عنصريٍّ صريح، تزيد فيه إسرائيل قبضتها على الأرض المحتلّة، وتُلقي بالفلسطينيين في جيوبٍ متفرّقةٍ هزيلة الموارد، قليلة الشأن، لا حظّ لها من استقلالٍ حقيقي ولا سيادة.
وإنّ حل الدولتين -على هناته- لَهو أهون الشرور، وأقربها إلى العدالة الممكنة، غير أنّ أكثر الإسرائيليين يأبَون التضحية بما يرونه “مكاسب تاريخية” لتحقيقها. ففي الضفة الغربية ما يزيد على أربعمئةٍ وثمانين ألف مستوطن، مع شبكةٍ واسعةٍ من الطرق الالتفافية والواصلة التي تربط المستوطنات ببعضها وتفصلها عن القرى الفلسطينية.
وقد أظهر استطلاعٌ أجراه معهد ترومان في الجامعة العبرية في شهر آذار (2010م) بين المستوطنين، أنّ واحدًا وعشرين في المئة منهم يرون: “وجوب استعمال كل وسيلة لمنع إخلاء معظم مستوطنات الضفة، ولو كان في ذلك حمل السلاح”. وإنّهم لَفي منأى عن القلق، لأنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سائر على نهج التوسع في الاستيطان، لا يحيد عنه.
لا ريب أنّ في إسرائيل نفرًا من الساسة البارزين -كوزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني، ورئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت- ممّن يرفعون لواء الدعوة إلى حلّ الدولتين، بَيْدَ أنّ هذا القول -وإن تزيّا بزيّ الحكمة- لا يدلّ على أنّهم راغبون حقًّا أو قادرون على تقديم التنازلات التي لا قيام لدولة فلسطينية معتبرة إلا بها؛ فأولمرت -يوم كان في سدّة الحكم- لم يفعل ذلك، ولا يُظنّ أنه ولا ليفني يستطيعان أن يحشدا من بني قومهما من يؤازر مشروعًا حقيقيًّا لحل الدولتين؛ فقد مال ميزان السياسة في إسرائيل خلال العقد الأخير ميلًا شديدًا نحو اليمين المتطرّف، حتى خلا المسرح السياسي تقريبًا من حزب أو حركة ذات وزن تُناضل من أجل إحلال السلام.
ويرى بعض المؤمنين بحل الدولتين أنّ إدارة أوباما قادرة على إرغام إسرائيل على القبول بهذا المآل؛ فليس بخافٍ أنّ الولايات المتحدة أقوى دول الأرض، وأنّ لها على إسرائيل من النفوذ ما يتيح لها الضغط عليها، وهي التي تغدق عليها المدد السياسي والمادي. لكنّ الحقيقة المشهودة أنّه ما مِن رئيسٍ أمريكي يطيق الضغط على إسرائيل لتغيير سياساتها تجاه الفلسطينيين، والعِلّة في ذلك: “اللوبي الإسرائيلي”، وهو تحالف شديد البأس من اليهود الأمريكيين والإنجيليين المسيحيين، له أثر بالغ في رسم سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وقد صدق ألان ديرشويتز إذ قال: «إنّ جيلي من اليهود أصبح جزءًا مما لعلّه أنجحُ جماعة ضغط وجمع تبرعات في تاريخ الديمقراطية».
تأمّل أنّ كل رئيس أمريكي منذ عام (1967) عارض بناء المستوطنات، ومع ذلك لم يستطع أحدٌ منهم أن يوقف إسرائيل عن التمادي فيها. ولا برهان على أنّ أوباما يخالف أسلافه في هذا الشأن؛ فقد طالَب -عقب توليه الرئاسة- بوقف الاستيطان في الأراضي المحتلة، فعصاه نتنياهو؛ ثم ما لبث أوباما أن خضعَ له. ومنذ عهدٍ قريب صرّح الرئيس أنّه يريد من إسرائيل وقف البناء في القدس الشرقية، فجاءه رد نتنياهو: “إنّ البناء هناك لن يتوقف لأنها جزء لا يتجزأ من الدولة اليهودية”. وسكتَ أوباما -وقد أحاط به ضغط اللوبي الإسرائيلي- ولم ينبس ببنت شفة، فضلًا عن أن يتوعّد إسرائيل بعقوبة.
غاية ما يطمح إليه أوباما هو تحريك ما يسمّى بعملية السلام، غير أنّ أكثر الناس يعلمون أنّ هذه المفاوضات ليست سوى مسرحية هزيلة. فالفريقان سيغرقان في أحاديث لا تنتهي، بينما تواصل إسرائيل ابتلاع الأرض الفلسطينية شبرًا شبرًا. ومن ثَمّ، فإنّ العاقبة المرجّحة هي نشوء “إسرائيل الكبرى” ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط.
ولكن مَن عسى أن يسكن هذه الدولة؟ وأيّ نظام سياسي سيكون لها؟
أما أن تكون دولة ديمقراطية ثنائية القومية، فذلك مما لا يُرتجى في الوقت القريب؛ إذ إنّ أكثر يهود إسرائيل لا يرغبون في العيش تحت سلطة تغلب فيها الكثرةُ العربيةُ الفلسطينية. وأما التطهير العرقي -الذي يضمن أكثرية يهودية- فهو خطة سفّاكة لا ريب في ذلك، فيها من الجرائم الكبرى ما يحطم ما تبقّى من مَزاعم الأخلاق في الكيان الإسرائيلي، ويفسد صلته بيهود الشتات، ويضعه في مصاف المجرمين بين الأمم. ولا يُتصوّر أن يرضى صديقٌ صادقٌ لإسرائيل بمثل هذا الإثم المبين.
فالنتيجة الأظهر أنّ “إسرائيل الكبرى” ستغدو دولة فصل عنصري تام، لها قوانين مزدوجة، وطرقات مزدوجة، ومسكن مزدوج، أحدها لليهود والآخر للفلسطينيين. بل إنّ الفلسطينيين اليوم محصورون في جيوب فقيرة بائسة. وقد أقرّ بهذا الأمر رئيسا الوزراء الإسرائيليان السابقان إيهود باراك وإيهود أولمرت؛ فقد قال أولمرت: «إن فشل حل الدولتين سيجرّ إسرائيل إلى صراع على غرار جنوب أفريقيا»، بل ذهب إلى أبعد من ذلك قائلًا: «حالما يقع ذلك، تكون دولة إسرائيل قد انتهت».
وقد صدق أولمرت في هذا القول. فإن الدولة اليهودية إذا أُلزمت بحمل نظام “أبارتهايد” على ظهرها فلن تلبث طويلًا، إذْ إن التمييز والقهر اللذَين يقوم عليهما الفصل العنصري نقيضان لِقَيم الغرب التي يتشدّق بها. وكيف يمكن لإنسانٍ في أمريكا -حيث تُقدَّس الديمقراطية وتُلعَن العنصرية- أنْ يدافع عن مثل هذا الباطل؟
وكيف يُتصوَّر -والحال هذه- ألّا تُدان تلك السياسة في المَحافل الأخلاقية والإنسانية؟ بل كيف يُعقَل أن تبقى للولايات المتحدة “علاقة خاصّة” بدولة تقوم على الفصل العنصري؟!
بل الأقرب إلى العقل أن ينهض الشعب الأمريكي -نفسه- لمعارضة ذلك النظام العنصري معارضةً صارمة، وأنْ يعمل جهده على تغييره واجتثاث جذوره.
ثم إنّ إسرائيل، إذا غدت دولة “أبارتهايد”، ستغدو عبئًا استراتيجيًا على الولايات المتحدة بدل أن تكون لها عونًا أو حليفًا.
ولهذا، فإنّ العاقبة المحتومة -في نهاية المطاف- أن تتحول “إسرائيل الكبرى” إلى دولة ديمقراطية ثنائية القومية، يكون زمام أمرها السياسي في أيدي مواطنيها الفلسطينيين، وحينئذٍ يُطوى ما يُسمّى بـ”الحلم الصهيوني” طيَّ النسيان.
والمُدهش في هذه القضية أنّ اللوبي الإسرائيلي نفسه يسهم من حيث لا يشعر في تدمير مستقبل إسرائيل بوصفها دولة يهودية. والأعجب من هذا أنّ هناك مَخرجًا بديلًا، سهل التحقّق نسبيًّا، وهو أوضح ما يكون ملاءمةً لمصلحة إسرائيل نفسها، ألا وهو “حلّ الدولتين”، فما أشدَّ العجب من أنّ إسرائيل وأنصارها في أمريكا لا يكدّون لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، بل يُسرعون -لا يثنيهم وازع- نحو بناء دولة تقوم على التمييز العنصري! وإنّ هذا لَمَسلَك يخالف العقل والمنطق، فلا يستقيم من جهة الخُلُق ولا من جهة السياسة والمصلحة.

___________
([1]) نُشرَت مقالته في صحيفة: شيكاغو تريبيون، بتاريخ: 9 – أيار/ مايو – 2010م.
ويُنظر أيضًا موقعه الرسمي: www.mearsheimer.com





بارك الله فيك وجزاك الله خير الجزاء أستاذ عمر
نسأل الله أن يكون هذا قريبا.
مقال استشرف المستقبل الذي نعايشه…. بارك الله فيكم د. عمر تمنياتي لك بالتوفيق.