مولانا خالد.. أول إصدارات موروث العراق العلمي
مولانا خالد وخلفاء مولانا خالد لعباس العزاوي

مولانا خالد
أول إصدارات موروث العراق العلمي
سلطان صلاح
مدير التحرير
في خطوة متطورة من خطوات مشروع (موروث العراق العلمي) أصدرَ باكورة مطبوعاته الورقية: كتاب (مولانا خالد وخلفاء مولانا خالد) للمؤرخ العراقي الكبير عباس العزاوي رحمه الله. وعند بداية الكلام عن هذا كتاب، تستبد بي العواطف أيما استبداد؛ فكاتبه مؤرخ جليل ومصنّف نبيل، أكثرَ من الكتابة عن وطني، حتى قيل له: كفاك فقد كفيت ووفيت في تأريخ بلدك.
والمُعتني بالكتاب: الأستاذ عبد القادر صبحي الجبوري، صديق قريب، لم يشغله شاغل عن العناية بتراث علماء العراق، فأخذ يتواصل مع مختلف الأقطار في سبيل الحصول ولو على قصاصة تحمل اسم عالم عراقي، فيبذل ما عنده من جهد وينفق ما بين يديه من مال للحصول عليها.
والمكتوب عنه: مولانا خالد البغدادي النقشبندي المجددي، عالِم سالكٌ فاضل لم يضطرب معتقده على وصف الكبار، وظلّ سالكًا مستقيمًا، ويتصل نسبه بنسب صديقي وسمير روحي عمر السنوي الخالدي.
فيكفي لكل هذه الأسباب أن تثور لواعجي حبًا وودًا لكل متعلقات الكتاب.
أصل الكتاب:
نُشرت مقالة «مولانا خالد» أول مرة في العدد الأول من المجلد الأول من مجلة المجمع العلمي الكردي، سنة 1973م. ثم أعيد نشرها بعد وفاة المؤرخ على يد ابنه فاضل. غير أنّ البحث يكشف أنّ هذه المقالة كانت قد ظهرت قبل ذلك متفرقة في مجلة الرسالة الإسلامية بأعداد سنة 1388هـ / 1968م.
أما مقالة «خلفاء مولانا خالد» فقد نُشرت في العدد الثاني من المجلد الثاني من مجلة المجمع العلمي الكردي، سنة 1974م، وتولى نشرها أيضًا فاضل، ابن المؤرخ، بعد رحيل والده.
أهمية الكتاب ومنهج العزاوي:
يُستمد فضل الكتاب من شيئين:
أولهما:
مؤلفه، فهو مؤرخ ونسابة ومحامٍ وأديب، وجد تاريخ بلده متفرقًا فجمع شتاته وأقامه بشكلٍ أنيق، فأظهر لنا موسوعته تاريخ العراق بين احتلالين. ثم إنه صنف الكثير من المصنفات المتفرقة في جزئيات تاريخ العراق، فانتشر الأخذ بها بين الخاص والعام، وشهد لنفاستها أهل الرأي والنظر، فيقول عنه خليله المؤرخ جواد علي:
وهو لا يعاشر الآن إلا صديقًا واحدًا لازمه منذ عرف الحياة، وهذا الصديق هو (الكتب والعلم)، ونادرًا ما تراه وهو بغير كتاب. والكتاب المحبوب إليه (كتاب التاريخ)، وأحب كتب التاريخ إليه على ما أعتقد هي كتب التاريخ النادرة، ولا سيما الكتب التي تبحث عن الفترة المظلمة السوداء (فترة العراق بين احتلالين)، وهي فترة مجهولة موحشة، تبتدئ بسقوط بغداد على أيدي الغزاة المغول، وتنتهي باحتلال الإنكليز لبغداد عام 1917م للميلاد.
وإذا ما حدثك العزاوي عن هذه الفترة وتبسط معك في الموضوع وسرد لك حوادث الدويلات التركية وأسماء الأمراء الذين حكموا العراق في هذه المدة الطويلة من مغول وأتراك وإيرانيين فمماليك، فأنا على يقين من أنك ستخرج وتقول: ما هذه الطلاسم والتعاويذ! ولابد لك من الاستعانة بقاموس أو مفتاح يحل لك رموز هذه الشفرة المعقدة التي لا يعرفها إلا القليل من أصحاب هذا العلم.[مجلة الرسالة، العدد 651]
وثانيهما:
أهمية كتابة تاريخ الشخصيات التي طوى ذكرها في سجل النسيان، أمثال مولانا خالد وطلابه. ولم يأتِ الكتاب على شكل التأريخ لمعصوم، بل أتى حاملاً تعريفًا شاملاً ونقدًا واضحًا وإشارات حصيفة تدل على عقلية دقيقة.
فبعد الكلام عن سيرته وشيوخه وأخذه العلم والطريقة، وضع الحياة الفكرية التي عايشها الشيخ خالد النشقبندي في زمنه، فكانت آراؤه محل أخذ ورد، ولا غرابة في هذا؛ فهذا سبيل العلماء منذ نقد أرسطو للفيثاغوريين.
أخذ العزاوي ينقل ما قيل فيه مدحًا وما انتُقد فيه، وأغلظ في مواضع، وألان في موضع، وانتقد مسألة الرابطة، والتي هي ركن متين من أركان الطريقة النقشبندية، وختم بكتبٍ تكلمت عن مناقبه ومآل مكتبته التي تقع اليوم في الظاهرية بدمشق.
ثم ذكر العزاوي خلفاء مولانا خالد بشكلٍ موجز لبيان امتداد طريقته المجددية.
ثم ألحقه الأستاذ عبد القادر الجبوري بأسانيد الشيخ خالد، ومستدركًا على طلابه ممن فات العزاوي ذكرهم، فسبحان من له عظمة الكمال.






