منعطف الدروشة السياسية

(أزمة الحوار السلفي)
مُنعطَف الدَّروشَة السِّياسِيَّة
ربما كان قديمًا أشدّ ما يُؤذِي السلفيَّ قولُ المُتعصِّبِ للمَذهبِ الفِقهيِّ: (هذا هو المَذهب)، ضـاربًا الدليلَ عرض الحائط! أو قول المتصوِّف: (هذا ما قاله الشيخُ) كأنَّ الدليلَ الشرعيَّ مِن الكتاب والسنة لا يَعنيه!
أمّا اليوم فأشدُّ ما يُؤذي السلفيَّ النقيَّ: دَندنةُ السلفيِّ المُتطرِّف حَول طاعةِ الحُكّام! وتَكرار مَواقف المُوالاة السياسيّة لِأُمرائهِ ومُلوكهِ! كأنّ قرارَهم السياسيّّ المَخذول هوَ الدِّين! وأنّ مخالِفَهم شيطانٌ رجيم! بل كأنّ الوَلاء لهؤلاء المُتخاذِليـن هوَ مِعيارُ الانتماءِ إلى السلفية!
وقد بات أصحابُ الخِطاب السلفيّ المتطرِّف يصرِّحون بذلك دون خجَل، حتى قال قائلهم: (أصبح الأمير [فلان] رمزًا لكلّ مَن يُريد أنْ يَطعن بالسُّنّة وأهل السُّنّة وأهل التَّوحِيد= أنْ يَطعنَ بالأمير [فلان]… وأصبحَ الطعنُ فيهِ علامةً على الانحرافِ في هذا الزَّمان)!!
هكذا قال! وبهذا يكون قد رفعَ مَقام هذا الأمير الفاجِر الغاشم -الذي يَنشُر الفجور في بلاد الحرَمين ويُهدى الختمُ النبويُّ للعاهرات أمامَ عينه في بلاده بلاد الحرمين- فجعلَه في مَقام سفيان الثوري وابن عيينة والشافعي وأحمد بن حنبل والبخاري وابن تيمية؛ هؤلاء الذين كان الطعن فيهم -ولا يزال- طعنًا في السُّنّة!
حقًّا إنّ كلامَ السلفيّة المتطرّفة اليوم يُؤذي المَشاعر العالية ويُؤذي العقول الراقية… يبلغ بالعاقل العالِم حدَّ الوجع، وجعًا على سوء حال المسلمين وسخافات المتعالِمِين وخفَّة عقول المتمشيخين…
لكنْ مهما كان فإنّنا وإنْ عانينا صعوبة سُبل العِلاج السلفيّ الرصين، فإنّنا فَرِحين بالاحتساب على ما نُعانيه من الوجع بأنواعه، وأعظمه: وجع غزة، وتَخاذُل دوَل المسلمين عنها -بأمرائها وملوكها ورؤسائها- الذين حقّ فيهم قول ابن رشيق القيرواني:
أَلْقابُ مَمْلَكَةٍ في غَيْرِ مَوْضِعِها *** كالْهِرِّ يَحْكي انْتِفاخًا صَوْلَةَ الأَسَدِ
فكأنّ الشاعر في هذا البيت الشهير تنبَّأ بسقوط الأندلس ولو بعد حين… ونحن نردّده اليوم في القاع، حيث لا مَزيد من الخذلان؛ إلّا أننا نتفاءل بما تعلّمناه من جِهاد غزة الكثير، {وإن الله على نصرهم لقدير}…
وأقول ختامًا:
إنّ الخطوط الحمراء التي جرّها مستر سايكس ومستر بيكو على بلاد الإسلام قبل أكثر من مئة عام، ها نحن نجني الآن ثمارها الخبيثة… والمُحزِن جدًّا أننا نجد ذلك الخبث في قول بَعض من يَنتمون إلى العلم! وينتسبون إلى السلف! نسأل الله أن يستبدلهم بمن يحمل أمـانـة الوحي كما ينبغي، مخلِصًا -غيرَ الله لا يَبتغي-، شُجاعًا يأبى الذُّلَّ ولا يَقبل البغي…
{وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}. [مُحَمَّد: ٣٨].
سامي مصطفى حسن
اقرأ أيضًا:




