مقالات

كيف يرى الصهاينة السابع من أكتوبر؟!

كيف يرى الصهاينة السابع من أكتوبر؟!

في خضمّ السجالات الفكرية والإعلامية التي أعقبت عملية السابع من أكتوبر 2023م، تتكشف بين الحين والآخر أصوات صهيونية جريئة تعيد النظر فيما جرى، وتحاول تفسير الزلزال الذي أصاب المؤسسة الإسرائيلية في أمنها وفكرها وكيانها السياسي.

ومن بين تلك الأصوات، يبرز الكاتب الصهيوني أري شافيت، صاحب كتاب (أرضي الموعودة)، فَنشَر مقالًا مطولًا في مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، بعنوان: (ما خسرته إسرائيل، وكيف يمكن استعادة ميزتها الاستراتيجية؟).

وقد تضمّن المقال اعترافات صريحة بعمق الأزمة التي تمر بها “إسرائيل” بعد السابع من أكتوبر، ووصفًا لما حدث بأنه تحول تاريخي غير مسبوق في موقعها الإقليمي والدولي.

وفيما يلي أهم المقتطفات التي تكشف كيف يرى أحدُ أبرزِ مثقّفي الكيـان الصـهيـوني تلك اللحظـة المِفصلية.

الكارثة وبدايات الانحدار:

يرى شافيت أن الكارثة التي حلت بإسرائيل في صباح ذلك السبت القاتم ليست مجرد حدث عابر، بل واقعة ذات أهمية تاريخية، إذ مثّلت -بحسب تعبيره-: “هجومًا على وجود ديمقراطية ليبرالية وعالمية في الشرق الأوسط”! وأدت إلى موجة من معاداة السامية لم يشهد لها العالم مثيلًا منذ عام 1954م.
بهذا يضع الكاتب الحدث في سياق حضاري أوسع من مجرد مواجهة عسكرية، فهو يراه مسًّا بأسس المشروع الصهيوني ذاته، بوصفه -كما يزعم- النموذج الغربي الديمقراطي في محيط شرقي مضطرب.

إخفاق القيادة وتخبط الحرب:

ينتقد شافيت بشدة حكومة نتنياهو التي -على حد قوله- “اختارت مسارًا مختلفًا”، إذ شنت حربًا على غزة من دون شرعية دولية أو دعم دبلوماسي أو حتى استراتيجية شاملة، ومارست قوة عسكرية ضخمة بلا أهداف سياسية محددة ولا نظرية واضحة للنصر.
ويضيف: حتى في لبنان، حيث نجحت إسرائيل في تنفيذ سلسلة هجمات أذلت ميليشيا حزب الله، فإنها لم تمتلك استراتيجية متكاملة، بل ظلت تتحرك بردّات الفعل لا برؤية بعيدة.

الغرق في المستنقع:

وفي تقييمه للأداء العسكري والسياسي، يعترف الكاتب بأن إسرائيل غرقت في مستنقع غزة أكثر فأكثر، وأهملت توضيح السياقات الإقليمية والعالمية للصراع، حتى بدا وكأنها -على غير قصد- تعمل لصالح أعدائها، إيران وحماس، وتسير نحو تحقيق “حلم السنوار النهائي بإشعال الشرق الأوسط بأسره”.

حرب قصيرة النظر:

يشبّه شافيت الحربَ الإسرائيلية على غزة بالحملة الأمريكية في فيتنام: قاسية، قصيرة النظر، عقيمة النتائج.
فهي -كما يقول-: رغم ما أثارته من غضب دولي، فشلَت في تحقيق نصرٍ حاسم، أو في فرض حلّ سلميّ، وكانت نتائجها واضحة:
“الناس في مختلف أنحاء العالم ينظرون إلى الحرب -الأكثر عدالة في تاريخ إسرائيل!- باعتبارها حربًا وحشيّة لا تَرحم، ومعركة غير عادلة بين جالوت الإسرائيلي وداوود الفلسطيني”!
ويتابع: بفضل مزيج من الأخطاء الاستـراتيجية الإسـرائيلية، والعمى التاريخي الغربي، وآلات الدعاية للقوى الاستبدادية، باتت إسرائيل تُرى عالميًا كـ”الشرير الإمبراطوري”، لا كدولة تدافع عن نفسها. وبدلًا من أن تُقارَن حرب غزة بالقتال الأوكراني ضدّ روسيا، يَنظر إليها الناسُ كـ”فيتنام ثانية” أو “حرب جزائرية أخرى”، أو صدًى لمعركة الحفاظ على نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا!

بين الردع المفقود والردع المستعاد:

يتحدّث الكاتب عن الفارق بين حملتي غزة ولبنان، فيرى أن إسرائيل خاضت حرب غزة بتعثُّر وتخبُّط، تسبَّبت فيه بقتل وإصابة عشرات الآلاف من المدنيين، على النقيض من حملتها الجوّيّة في لبنان التي نُفِّذت بدقة وسُرعة، واستطاعت خلال عشرة أيام فقط أن تستعيد أهم أصولها الاستراتيجية: الردع، لتعود في نظر الشرق الأوسط دولة هائلة قادرة على إضعاف أعدائها.

نهاية العصور الذهبية:

وفي خاتمة تحليله، يذهب أري شافيت إلى ما هو أبعد من النقد العسكري والسياسي، ليعتبر أن ما بدأ في السابع من أكتوبر حدث متعدّد الأبعاد، يمثل -في رأيه- نهاية العصر الذهبي لإسرائيل الذي استمر خمسة عقود، تمتّعَت فيها بتفوُّق استراتيجيّ على قوى الطغيان والتعصُّب المحيطة بها.
كما يراه نهاية العصر الذهبي اليهودي الذي امتدّ ثمانية عقود، بل أيضًا نهاية العصر الذهبي الأمريكي الذي دام ثمانية عقود من “السلام الأمريكي”.
ويقول بمرارةٍ: إنّ العالَم يعود إلى الوراء؛ فالإسرائيليون يخوضون حربًا لم يخوضوها منذ عام 1948م، والجالية اليهودية تهتز تحت ثوران كراهية لم تعرفه منذ الهولوكوست.

خلاصة المَشهد:

كشفت هذه المقتطفات من مقال أري شافيت حجمَ الزلزال النفسي والفكري الذي أحدثَه اليوم السابع من أكتوبر داخل العقل الصهيوني نفسه؛ إذْ لم يَعُد الجدل مقتصرًا على التكتيك العسكري أو الخِطاب الإعلامي، بل تعدّاه إلى جوهر الوجود الإسرائيلي ومعناه التاريخي. فالذي يراه شافيت نهاية عصر إسرائيل الذهبي، قد يراه غيرُه بداية مرحلة جديدة من التحوّلات الكبـرى في الـوعي العـالَمي تجـاه “إسرائيل”، وانكشـاف صـورتـها الحقيقيّة أمام الشعوب.

محمود حسان عسكر

__________________________________________________________________________________

اقرأ أيضًا:

رجوع المسافر من وإلى نفسه

في الإعجاز البلاغي

editor

هيئة التحرير بمجلة روى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى