عالم الكتب

قصتي مع كتاب العلم الأعجمي في القرآن

قصتي مع كتاب:
“العَلم الأعجمي في القرآن مفسَّرًا بالقرآن”
لرؤوف أبو سعدة

كتبها:
د. هاني بن عبيد الله الصاعدي

أكاديمي سعودي
مختص بالبلاغة العربية

لي قصةٌ تستحق أن تُروى مع كتاب رؤوف أبو سعدة المبدع: “العلَم الأعجميّ في القرآن مفَسَّراً بالقرآن”.

كنتُ في بحث الماجستير قد استخرجتُ من كتاب “التحرير والتنوير” للطاهر ابن عاشور ستين مبتكَرًا من مبتكرات القرآن. وكان الطاهر ابن عاشور، بموسوعيّته وأفقه الواسع، قد قذفني في أوديةٍ وشِعابٍ متباعدة، وكان من بينها موضوع العَلَم الأعجميّ في القرآن الذي التفتَ إليه ابن عاشور التفاتة بديعة؛ إذ نبّه إلى أن القرآن يتصرّف في الأعلام الأعجمية ويغيّرها بما يناسب الفصاحة وحسن موقع اللفظ، مثل: تغيير شاول إلى طالوت، واسم تارَح أبي إبراهيم إلى آزَر. وقد ذكر ذلك في سياق حديثه عن الابتكارات التي امتازت بها القصة القرآنية، ثم توقّف عند هذا الحدّ ولم يبحث فيما وراء ذلك.

هذه الإشارة الوجيزة أطمعَتني في تتبّع الدراسات حول العَلم الأعجمي في القرآن، فعثرتُ في شبكة الإنترنت على كتاب رؤوف أبو سعدة في طبعة “دار الهلال”. شدّني الكتاب من أول وهلة، وأخذ بلبّي أيامًا ذات العدد، حتى تركتُ بحثي جانبًا وانغمستُ فيه تمام الانغماس.

وحين بلغتُ آخر الكتاب، في خاتمة الجزء الثاني، قرأتُ القصة التي رواها المؤلف عن رحلته في تأليف هذا العمل، وكيف كانت دموعه تنهال عليه من فرحة الاكتشاف وعظَمة القرآن. بكيتُ معه، وعشتُ قصته كما عاشها، وأمارات الاستغراب تحيط بي من كل اتجاه، فأتساءل بإلحاح:
كيف لمثل هذا الكتاب أن يَظلّ مجهولًا في الأوساط العلمية؟

عدتُ إلى الشبكة لأتعرّف إلى مؤلفه أكثر؛ لا شيء.

ثم بحثتُ عن أصداء أو دراسات حول الكتاب؛ كذلك لا شيء.

لم أجد سوى إشارة قصيرة واحتفاء أراه واجبًا من الشيخ المفضال الدكتور مساعد الطيار، في مقطع قصير على اليوتيوب.

رجعت إلى بحثي، وكتبتُ في ختام حديثي عن عبارة ابن عاشور السابقة:

“وقد ارتأيتُ التضييق المقصود لمسار الحديث عن هذه القضية المتشعّبة الأطراف، اهتمامًا بعمود البحث، وبعدًا عن الزيادة التي هي عمدة لأبحاث أخرى” (ص 336).

ثم أحلتُ في الهامش إلى كتاب العِلم الأعجمي في القرآن مفسّرًا بالقرآن لرؤوف أبو سعدة.

وما كان الكلام متشعّبًا ولا ممتدًا لولا هذا الكتاب، فهو المقصود قصرًا بهذه الإشارة، إذ لا نظير له في موضوعه ولا في طرحه.

كان المهم عندي أن يتعرّف القارئ إلى هذا الكتاب، وأن تكون الإحالة إليه إحالة إلى مليء.


ومرّت سنوات، حتى زرتُ مكتبة الأسدية في العزيزية بمكة، فوجدتُ الكتاب أمامي في حُلّة ذهبية جميلة، في طبعة جديدة راقية من “دار الميمان” في مجلدين. لم أتردد في شرائه، ولا في قراءته مرة أخرى، كأني أقرؤه للمرة الأولى.

هذا الكتاب -كما قال الدكتور محمود الطناحي في مقدّمته له-: يُكتب بانشراح صدر.

هذا كتابٌ يطأ أرضًا بكرًا، ويسير في مسارات منتظمة وإن اختلفت اتجاهاتها، ويحمل ثروةً من المعلومات الثقافية النفيسة.

إنه -أيضًا- موسوعة تاريخية كاملة كُتبت تحت عناوين الأنبياء والأعلام الأعجمية في القرآن، تجتمع فيها روح الباحث، ودهشة المكتشِف، ونَفَسُ المفسِّر الذي يصغي إلى إيقاع القرآن.

editor

هيئة التحرير بمجلة روى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى