اليهود من منظور العلامة السعدي
اليهود من منظور العلامة السعدي

إن الله سبحانه جلّ في عُلاه، قد أبان السبيل الموصلَ إلى جنته ورحمته ورضاه، ولم يُعَمِّه أو يُغَمِّه بل أوضحَهُ وسهّلهُ وجَلّاه. وببيان سبيل الحق استبان سبيل الباطل لزومًا، قال الحق تعالى: {وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام ٥٥]. ومع ذلك البيان الإجمالي فقد بيّن الله سبيل الباطل أيضًا وأوضحه ليُقِيم الحجة على السالكين.
ومما قصّه الله في كتابه العزيز: حوادث الأمم السابقة وآثارها، بل أظهر الله في آياته طبائع تلك الأمم ونفسيّاتهم، كي نجتلبَ منها ما به نرتقي، ونجتنـب السـوء من سَـننها ونتّـقي. ومِن أبرز مَن قصّ الله علينا قصصهم: اليهود، وبالتتبع للآيات التي ذكر الله فيها خبرهم، نجد أنّ هؤلاء القوم أصحاب دواخل غريبة، بُنِيَتْ عليها ظواهر وأفعال عجيبة! فعانى منهم أنبياؤهم أشد المعاناة، وصبروا على صعوبة نفوسهم أشدّ الصبر!
وقد أسهم علماء الإسلام الأفذاذ في كشف وشرح وبيان حال اليهود في كتبهم ومصنفاتهم التي أضاؤوا بها العقول والقلوب. وتَميَّز بعضُ المفسِّرين بتعبيراتهم المُشرِقة التي فسَّروا بها كتاب الله عز وجل. وممّن كان له إسهام في تفسير كتاب الله: العلّامة المفسِّر عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله- (ت 1376هـ / 1956م)، فقد تألّق في تعبير ألفاظ الكتاب الكريم، وأضاء طريق الوصول إلى معانيه المباركة.
وقد انتقيتُ بعض الآيات المتعلقة باليهود، والتي سلّط الضوء عليها ذلكم المفسر المبارك -رحمه الله برحمته وأباحه بحبوحة جنَّت-، وأضفتُ بعد تعليقاته تبيينات على الآيات المفَسَّرة. وهذا أوان الشروع في المقصود:
1) قال الحق سبحانه: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} [آل عمران:181].
قال العلّامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
يُخبر تعالى عن قول هؤلاء المتمرّدين، الذين قالوا أقبح المقالة وأشنعها وأسمجها، فأخبر أنه قد سمع ما قالوه وأنه سيكتبه ويحفظه، مع أفعالهم الشنيعة، وهو: قتلهم الأنبياء الناصحين، وأنه سيعاقبهم على ذلك أشد العقوبة، وأنه يقال لهم -بدل قولهم إن الله فقير ونحن أغنياء- {ذوقوا عذاب الحريق} المحرق النافذ من البدن إلى الأفئدة، وأن عذابهم ليس ظلما من الله لهم، فإنه {ليس بظلام للعبيد} فإنه منزّه عن ذلك، وإنما ذلك بما قدمت أيديهم من المخازي والقبائح، التي أوجبت استحقاقهم العذاب، وحرمانهم الثواب.
وقد ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت في قوم من اليهود، تكلموا بذلك، وذكروا منهم “فنحاص بن عازوراء” من رؤساء علماء اليهود في المدينة، وأنه لما سمع قول الله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} {وأقرضوا الله قرضا حسنا} قال -على وجه التكبر والتجرهم- هذه المقالة قبحه الله، فذكرها الله عنهم، وأخبر أنه ليس ببدع من شنائعهم، بل قد سبق لهم من الشنائع ما هو نظير ذلك، وهو: {قتلهم الأنبياء بغير حق} هذا القيد يراد به، أنهم تجرؤوا على قتلهم مع علمهم بشناعته، لا جهلًا وضلالًا، بل تمردًا وعنادًا ([ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: 1/ 159]).
ويتبين في هذه الآيات:
– جرأة يهود على الخلّاق العظيم، وسوء أدبهم معه سبحانه.
– وكبرياؤهم على ربهم، وإعلاء أنفسهم؛ جهلًا منهم بحقيقة ضعفهم ومهانتهم.
– ومن جرأتهم وسوء صنائعهم: قتلهم الأنبياء مصابيح النور ومنابع الهدى. فأي ذنب أقبح من محاولة منع الهدى عن الوصول إلى القلوب بقتل دعاته وحامليه للناس!!
– ولهذه القبائح الشنيعة توعدهم الله بعذاب الحريق، وهذا هو الجزاء العادل لمن حارب الله العظيم في أمره وشرعه.
2) قال سبحانه: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا} [النساء ٤٦].
قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} أي: اليهود وهم علماء الضلال منهم.
{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} إما بتغيير اللفظ أو المعنى، أو هما جميعًا. فمن تحريفهم تنزيل الصفات التي ذُكرت في كتبهم التي لا تنطبق ولا تصدق إلا على محمد صلى الله عليه وسلم على أنه غير مراد بها، ولا مقصود بها بل أريد بها غيره، وكتمانهم ذلك.
فهذا حالهم في العلم أشر حال، قلبوا فيه الحقائق، ونزلوا الحق على الباطل، وجحدوا لذلك الحق، وأما حالهم في العمل والانقياد فإنهم {يَقُولون سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} أي: سمعنا قولك وعصينا أمرك، وهذا غاية الكفر والعناد والشرود عن الانقياد، وكذلك يخاطبون الرسول صلى الله عليه وسلم بأقبح خطاب وأبعده عن الأدب فيقولون: {اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ} قصدهم: اسمع منا غير مسمع ما تحب، بل مسمع ما تكره، {وَرَاعِنَا} قصدهم بذلك الرعونة، بالعيب القبيح، ويظنون أن اللفظ -لما كان محتملا لغير ما أرادوا من الأمور- أنه يروج على الله وعلى رسوله، فتوصلوا بذلك اللفظِ الذي يلوون به ألسنتهم إلى الطعن في الدين والعيب للرسول، ويصرحون بذلك فيما بينهم، فلهذا قال: {لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ} ([ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: 1/ 180]).
ويتبين لنا في هذه الآيات:
– الخُلُقُ السيّئ الذي تلبّس به اليهود: وهو خلق التحريف، فهم مولعون بالتلاعب بالألفاظ والمعاني، وغارقون بحب الخداع والخديعة قولا وفعلا .. وهذا من أقبح الأخلاق وأشنعها.
– أنهم أهل صلافة وعناد ووقاحة حيث يستمعون الكلام الذي يعلمون أنه حق ويجب عليه اتباعه ويعترفون بسماعه وفهمه ورغم ذلك يصرّحون بالعصيان لله ورسوله!
– أن تلاعبهم بالألفاظ التي تحتمل معانٍ مشتركة، وحملهم إياها على محامل السوء؛ ما ذلك إلا عكسٌ لنفوسهم المريضة بالشرك والشك والنفاق.
3) قال تعالى: {أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ أوتوا نَصيبًا مِنَ الكِتابِ يُؤمِنونَ بِالجِبتِ وَالطّاغوتِ وَيَقولونَ لِلَّذينَ كَفَروا هؤُلاءِ أَهدى مِنَ الَّذينَ آمَنوا سَبيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا * أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا} [النساء: 51-54].
قال العلّامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
وهذا من قبائح اليهود وحسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، أن أخلاقهم الرذيلة وطبعهم الخبيث، حملهم على ترك الإيمان بالله ورسوله، والتعوض عنه بالإيمان بالجبت والطاغوت، وهو الإيمان بكل عبادة لغير الله، أو حكم بغير شرع الله.
فدخل في ذلك السحر والكهانة وعبادة غير الله وطاعة الشيطان، كل هذا من الجبت والطاغوت، وكذلك حَمَلهم الكفر والحسد على أن فضلوا طريقة الكافرين بالله -عبدة الأصنام- على طريق المؤمنين فقال: {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} أي: لأجلهم، تملّقًا لهم ومداهنة، وبغضًا للإيمان: {هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} أي: طريقًا. فما أسمجهم وأشد عنادهم وأقل عقولهم! كيف سلكوا هذا المسلك الوخيم والوادي الذميم؟ هل ظنوا أن هذا يروج على أحد من العقلاء، أو يدخل عقلَ أحد من الجهلاء، فهل يُفَضَّل دين قام على عبادة الأصنام والأوثان، واستقام على تحريم الطيبات، وإباحة الخبائث، وإحلال كثير من المحرمات، وإقامة الظلم بين الخلق، وتسوية الخالق بالمخلوقين، والكفر بالله ورسله وكتبه، على دين قام على عبادة الرحمن، والإخلاص لله في السر والإعلان، والكفر بما يعبد من دونه من الأوثان والأنداد والكاذبين، وعلى صلة الأرحام والإحسان إلى جميع الخلق، حتى البهائم، وإقامة العدل والقسط بين الناس، وتحريم كل خبيث وظلم، والصدق في جميع الأقوال والأعمال، فهل هذا إلا من الهذيان، وصاحب هذا القول إما من أجهل الناس وأضعفهم عقلا وإما من أعظمهم عنادًا وتمردًا ومراغمة للحق، وهذا هو الواقع، ولهذا قال تعالى عنهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} أي: طردهم عن رحمته وأحل عليهم نقمته. {وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} أي: يتولاه ويقوم بمصالحه ويحفظه عن المكاره، وهذا غاية الخذلان ([ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: 1/ 182]).
ويتبين لنا في هذه الآيات:
– أنهم يؤمنون بالباطل ويصدّون عن الحق.
– أنهم يفضّلون أهل الباطل على أهل الحق.
– أنهم تشرّبوا أمراضًا في بواطنهم كالحسد ونحوه، فصدّهم ذلك عن الصلاح والخير والحق.
– أن الله طردهم من رحمته، وألقى عليهم الخذلان بكفرهم وعنادهم ومقاصدهم الخبيثة.
4) قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة: 64].
قال العلّامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
يخبر تعالى عن مقالة اليهود الشنيعة، وعقيدتهم الفظيعة، فقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} أي: عن الخير والإحسان والبر.
{غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} وهذا دعاء عليهم بجنس مقالتهم. فإن كلامهم متضمن لوصف الله الكريم، بالبخل وعدم الإحسان. فجازاهم بأن كان هذا الوصف منطبقا عليهم.
فكانوا أبخل الناس، وأقلهم إحسانًا، وأسوأهم ظنًا بالله، وأبعدهم الله عن رحمته التي وسعت كل شيء، وملأت أقطار العالم العلوي والسفلي. ولهذا قال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} لا حجْر عليه، ولا مانع يمنعه مما أراد، فإنه تعالى قد بسط فضله وإحسانه الديني والدنيوي، وأمر العباد أن يتعرضوا لنفحات جوده، وأن لا يسدوا على أنفسهم أبواب إحسانه بمعاصيهم.
فيداه سحاء الليل والنهار، وخيره في جميع الأوقات مدرارا، يفرج كربا، ويزيل غما، ويغني فقيرا، ويفك أسيرا ويجبر كسيرا، ويجيب سائلا ويعطي فقيرا عائلا ويجيب المضطرين، ويستجيب للسائلين. وينعم على من لم يسأله، ويعافي من طلب العافية، ولا يحرم من خيره عاصيا، بل خيره يرتع فيه البر والفاجر، ويجود على أوليائه بالتوفيق لصالح الأعمال ثم يحمدهم عليها، ويضيفها إليهم، وهي من جوده ويثيبهم عليها من الثواب العاجل والآجل ما لا يدركه الوصف، ولا يخطر على بال العبد، ويلطف بهم في جميع أمورهم، ويوصل إليهم من الإحسان، ويدفع عنهم من النقم ما لا يشعرون بكثير منه، فسبحان من كل النعم التي بالعباد فمنه، وإليه يجأرون في دفع المكاره، وتبارك من لا يحصي أحد ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وتعالى من لا يخلو العباد من كرمه طرفة عين، بل لا وجود لهم ولا بقاء إلا بجوده. وقبَّح الله من استغنى بجهله عن ربه، ونسبه إلى ما لا يليق بجلاله، بل لو عامل الله اليهود القائلين تلك المقالة، ونحوهم ممن حاله كحالهم ببعض قولهم، لهلكوا، وشقوا في دنياهم، ولكنهم يقولون تلك الأقوال، وهو تعالى، يحلم عنهم، ويصفح، ويمهلهم ولا يهملهم.
وقوله: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} وهذا أعظم العقوبات على العبد، أن يكون الذكر الذي أنزله الله على رسوله، الذي فيه حياة القلب والروح، وسعادة الدنيا والآخرة، وفلاح الدارين، الذي هو أكبر منة امتن الله بها على عباده، توجب عليهم المبادرة إلى قبولها، والاستسلام لله بها، وشكرا لله عليها، أن تكون لمثل هذا زيادة غي إلى غيه، وطغيان إلى طغيانه، وكفر إلى كفره، وذلك بسبب إعراضه عنها، ورده لها، ومعاندته إياها، ومعارضته لها بالشبه الباطلة. {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} فلا يتآلفون، ولا يتناصرون، ولا يتفقون على حالة فيها مصلحتهم، بل لم يزالوا متباغضين في قلوبهم، متعادين بأفعالهم، إلى يوم القيامة {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ} ليكيدوا بها الإسلام وأهله، وأبدوا وأعادوا، وأجلبوا بخيلهم ورجلهم {أَطْفَأَهَا اللَّهُ} بخذلانهم وتفرق جنودهم، وانتصار المسلمين عليهم.
{وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادًا} أي: يجتهدون ويجدون، ولكن بالفساد في الأرض، بعمل المعاصي، والدعوة إلى دينهم الباطل، والتعويق عن الدخول في الإسلام. {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} بل يبغضهم أشد البغض، وسيجازيهم على ذلك ([ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: 1/ 182]).
ويتبين لنا من هذه الآية:
– جرأة اليهود على الرب العظيم سبحانه وتعالى وإساءتهم له، وقلة أدبهم مع ربهم، وهذا من أسوأ الطباع التي يُصبغ بها المرء.
– أن نفوسهم الخبيثة سببت لهم زيادة الكفر والطغيان بسبب ما أنزل على أهل الحق والإيمان، وهذا الداء من أخطر الأدواء، أن يكره الإنسانُ الحقَّ الذي عند خصمه، فيصده ذلك عنه ويترتب على ذلك بغض الحق الذي أنزله الله.
– أنهم يسعون دوما لإيقاد الفتن والحروب ونشر الإفساد والفساد؛ وأن الله لهم بالمرصاد كبحًا وخذلانا.
شدوان عبد الستار عبد الجبار
(أبو الحسن العنزي)




