ارتداد

ارتداد
محمد دحروج
أديب وناقد ومحقق مصريّ
لأول مرة أسجل قصيدة في طريق بين المارّة ! كتبتها اليوم وأنا أسير عابثًا في طرقات القاهرة من دون وجهة ، فما كاد الليل ينقضي حتى وجدتني أمتشط التيه لأزيّن رأس الضجر بالحرف ، أتأمل في طريقي وجوهَ العابرين غير أني لا أراها ، إنما أرى وجه ثقافة وقحة ، عاملتُ أهلَها في السرِّ كما العلانية ، فلم أجد منهم إلا الأصابع التي تحمل الأقلام ادعاءً ، والقلوب التي تتوارى خلفها كل خِسّة ، عجيب أمر هؤلاء ، ما أتونا إلا وكان منا الصدق ، فما دعونا لشيء إلا لمحاولة تقزيم تاريخنا الأدبي الذي يمتد عبر ٢٢ ألف صفحة مطبوعة قبل أن يكون هؤلاء هنا ، ثم يستغرب أحدهم أننا نواجهه بحقيقة أمره وكأنهم ظنوا أني أغفل عن ماهيّتي ، ولو كنتُ في بلد غير مصر لجعلني أهلُها أميرَ الحرف وأديبَ أمّتهم ، لكنّنا نعيش في ثقافة الابتذال وسقوط حقيقة الرجال ، فما أنتن النفاق … وتلك هي القصيدة :
| بَينَ الصَّباحِ ، وبَينَهُ سَدُّ | يَمْضِي علَى مَهَلٍ ويَمْتَدُّ | |
| أوقَاتُهُ كَابُوسُ مَرْقَدِهِ | بِمَهَازِلِ الأيَّامِ يَعتَدُّ | |
| قَد جَمَّعَ الْمَاضِي بِجُعبَتِهِ | وعَنِ الْمَواجِعِ مَا بِهِ زُهْدُ | |
| خَيْطٌ مِنَ الأفكَارِ ضَارِبةٌ | نَحْوَ الضَّبابِ ومَا لَهَا حَدُّ | |
| فَوقَ الوِسَادِ تَمُرُّ كَالِحَةً | فِي صَوتِهَا الإِزعَاجُ يَحْتَدُّ | |
| وَجْهُ اللَّيالِي كَالْمَواتِ بِهِ | تَتَعَانَقُ العَبَرَاتُ والْخَدُّ | |
| واللَّيْلُ شَيطَانٌ بِلا رَهَقٍ | والكَونُ خَلفَ الرِّيحِ مُسْوَدُّ | |
| وكَأنَّ رِيقَ السُّهْدِ حُنْجُرَتِي | التِّيهُ عَرْشٌ ، والأسَى مَجْدُ | |
| وأنا بِصَدْرٍ لِلجِرَاحِ ؛ غَدَا | فِي نَبْضِهِ الإِرْهَاقُ والفَقْدُ | |
| يَجتَاحُنِي ذِكْرٌ بِلا أمَلٍ | مَا سَرَّنِي بُعْدٌ ؛ ولا عَوْدُ | |
| مَاتَت بِصَوتِ الرِّيحِ أسئِلةٌ | قَد ضَمَّهَا النِّسْيانُ واللَّحْدُ | |
| لَيْلٌ بِأسْتَارٍ تُحَاصِرُنِي | والقَيْدُ قَد يَعتَادُهُ العَبْدُ | |
| لَمْ يُحْرِقَنْ قَيْظٌ أصَابِعَهُ | أوْ أنَّ رأسًا سَامَهَا البَرْدُ | |
| مَا بَينَ بَينَ الْحَالَتَينِ مَعًا : | الشَّمْسُ يَلهَثُ خلْفَهَا الرَّعْدُ | |
| ونَسِيمُ صُبْحٍ بِالودَادِ جَرَى | فَأحَاطَ بَسْمَةَ حُبِّهِ حِقدُ | |
| أمْشِي بِأحْذِيةِ الثَّباتِ مَدَىً ، | لا الأمْسُ مَاتَ ، ولا أتَى الغَدُّ | |
| إِذ فِكرَةُ الْحِرمَانِ تَأسِرُنِي | مَا حَاطَنِي جَزْرٌ ، ولا مَدُّ | |
| فِي شَاطِيءِ الأحلامِ خُطْوتُنَا | تَمْشِي قَلِيلاً ؛ ثُمَّ تَرْتَدُّ |
شِعر: محمد محمود دحروج
القاهرة : 3 – 12 – 2025





