مقالات

ابن عثيمين وقضية فلسطين

ابن عثيمين وقضية فلسطين

هذه بعضٌ من كلماتٍ وتعليقاتٍ، ونقداتٍ وتوجيهاتٍ، وتحذيرات وبيانات، وقفتُ عليها من كلام الشيخ العالم الفقيه محمد بن صالح بن عثيمين (1347-1421هـ / 1929-2001م) -رحمه الله تعالى-، أحببتُ أن أشارك إخواني فائدتها والتأمل فيها والاستفادة منها.

وهي تَكشف عن جانبٍ مهم يغيب عن كثير من المنتسبين إلى دعوته، وفي الوقت نفسه تفتح المجال لكل باحث نهمٍ مهتمّ بتراث الشيخ ابن عثيمين، أن يشمّر ساعده ويطيل بحثه ويوسع رصده، بضم النظير إلى النظير مع التنظيم والترتيب ومعرفة المتقدّم والمتأخر من تقريراته وفتاويه، للكتابة حول هذا الشأن، ولعله يكون بعنوان: (ابن عثيمين والقضية الفلسطينية: مواقف ومسائل وفتاوى ودلائل). والدال على الخير كفاعله.

أمّا هنا فأذكُر طرفًا مما أشرتُ إليه ووقفتُ عليه:

أولاً: قال الشيخ في “الشرح الممتع” (14/36-37) حول حكم اليهود المحتلّين لفلسطين وتصنيفهم الشرعي: (الحربي هو الكافر الذي بيننا وبينه حرب، وليس بيننا وبينه عهد، مثل اليهود الذين احتلوا فلسطين= فهؤلاء ليس بيننا وبينهم عهد. فإن قال قائل: إن بيننا وبينهم عهدًا، وهو العهد العام في هيئة الأمم المتَّحدة! فنقول: هم نقضوا العهد؛ لأنهم يعتدون علينا).

ثانيًا: قال الشيخ في “الشرح الممتع” (1/2451) -المفرغ صوتيًا- مشيرًا وناقدًا لفتوى (الصلح مع اليهود المحتلين لفلسطين) -التي أفتى بها الشيخ ابن باز رحمهما الله وطيب ثراهما-: (الصلح مع الكفار على سبيل الإطلاق هو معناه: إسقاط الجهاد في سبيل الله! لكن الأمر ليس بأيدينا! وبعض العلماء اشتبه عليهم الأمر في أن الرسول صالح اليهود أوّل ما قدم المدينة، بدون شرط وبدون قيد-صلحًا مطلقًا! والذي استدل بهذا ليس حاضرًا عندي حتى يمكن أن آخذ معه وأردّ! لكن ظني أن هناك فرقًا:

١- بين شخصٍ يقدم إلى بلد الكفار ويصالحهم -لأن المدينة كان فيها كثير من اليهود ثلاث قبائل من اليهود-ويصالحهم على ما جرى عليه الصلح.

٢-وبين إنسانٍ هو في بلدٍ والكفارُ في بلدٍ آخَر).

ثالثًا: قال -أيضًا- (1/2447) كاشفًا للخطر ومعلّقًا على ما عُرف بـ(مؤتمر مدريد للسلام: 1991م) تمهيدًا لِمَا ظاهرُه (السلام مع إسرائيل) وباطنه (الاعتراف بدولتهم والتطبيع معهم)-: (لكنَّ أخطرَ شيءٍ في هذا هو أنه لو حصَل تبادل -كما يقولون- دبلوماسي وثقافي واقتصادي؛ حينئذ يَكْمُن الخطر! ويُنْظَر إلى مدى عقل أو عقول هؤلاء العرب! هل سيمكَّنون من هذا أو لا يمكَّنون؟! هذا هو الخطر!!).

رابعًا: وفي (1/4198) سُئل عن هجرة الفلسطينيين: (هل يلزمهم الهجرة كما فعل النبي ﷺ هاجر من مكة إلى المدينة؟).
أجاب الشيخ: (لا! هُم لو يَتركونَ هذا ما أقاموا دينَهم، المساجدُ الآن مفتوحة والأذان يقام، ما هو مثل مكة).

خامسًا: في “مجموع فتاويه” (25/324) سئل عن قتال الفلسطينيين لليهود هل هو جهاد شرعي؟
أجاب الشيخ: (لا يمكن أن نحكم على شخصٍ أو طائفة بأن جهاده شرعي أو غير شرعي: حتى يوزن ذلك بالميزان الذي جاء به الكتاب والسنة.

وذلك:
١-بأن يكون الجهاد في مَحلِّه: بأن يكون المجاهَد -بفتح الهاء- ممن أمر الله بجهاده.
٢-وأن تكون نية المجاهِد -بكسر الهاء- خالصةً لله تعالى: بحيث يريد بجهاده أن تكون كلمة الله هي العليا.

وقد سُئل النبي ﷺ عن الرجل يقاتلُ شجاعةً، ويقاتل حَمِيَّةً ويقاتل ليُرَى مكانُه، أيُّ ذلك في سبيل الله؟ فقال: «مَن قاتَلَ لِتكونَ كلمةُ الله هي العُلْيا، فهو في سبيلِ الله». هذا هو الجهادُ الشرعي الذي جعل الله له نصيبًا من الزكاة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ}).

سادسًا: قال في “اللقاء الشهري” (27/21): (لا شك أن ما ذكره الأخ السائل يدمي القلب، ويفتت الكبد، ويدل على أن المسلمين مع الأسف ليسوا على المستوى الذي يجب أن يكونوا عليه من الدفاع عن إخوانهم المسلمين. لو تأملتَ الإذاعات -الآن!- وجدتَ أكثر الإذاعات أو الصحف أو وسائل الإعلام فيما بين اليهود وبين الفلسطينيين، مع أن قضية اليهود كلها ألعوبة -فيما نرى- وخيانات وغدر، وليس عجيبًا أن يكون اليهود أهل غدر وخيانة؛ لأن هذا دأبهم، فإنّ الرسول ﷺ لمّا قدم المدينة كان فيها ثلاث قبائل، وكلهم عاهدوا الرسول ونقضوا العهد… لكن موقفنا من ذلك -نحن كأفراد لا كدول-: أن نلجأ إلى الله بالدعاء في كل وقت وفي كل حال يكون فيها الإنسان أقرب إلى الإجابة أن ينصر الله إخواننا المسلمين في كل مكان، وأن يدمر أعداء المسلمين. ونحن نُشهد الله أن كل كافر فهو عدو لنا سواء كان نصرانيًا أو يهوديًا أو شيوعيًا أو وثنيًا، أي كافر فهو عدو للمسلم، والكفار بعضهم أولياء بعض ضد المسلمين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾. فنسأل الله أن يقوي المسلمين على أعدائهم حتى يتمكنوا منهم وحتى يكون الدين كله لله).

سابعًا: قال في “مجموع فتاويه” (18/405): (الواجب على الأمة الإسلامية حكّامًا ومحكومين أن يرجعوا إلى دين الله رجوعًا حقيقيًّا، في العقيدة، وفي القول، وفي الفعل، وأن يحكّموا شريعة الله ويقيموها في أرضه، لتكون كلمة الله هي العليا، ولا شك أن المسلمين اليوم في حال يرثى لها، لأنهم متفرقون متشتتون، تتربص كل طائفة بالأخرى الدوائر، وذلك لعدم صدقهم في معاملة الله، وفي الانتصار لدين الله، ولو صدقوا الله لكان خيرًا لهم، ولو صدقوا الله لجمع كلمتهم على الحق، كما حصل ذلك في أول هذه الأمة الإسلامية. ولا شك أن الجهاد الذي حصل في أفغانستان صار له أثرًا كبيرًا بالنسبة للمستعمرين المضطهدين من المسلمين في فلسطين، وفي أرتيريا وسيكون –أيضًا إن شاء الله- في غيرها من البلاد المضطهَدة، وسيكون النصر للإسلام والمسلمين إن قاموا به على الوجه الذي يرضي الله عز وجل).

ثامنًا: قال في “اللقاء الشهري” (22/21): (الدعاء مبذول لإخواننا المسلمين المجاهدين: في البوسنة والهرسك، وفي فلسطين، وفي كشمير، وفي كل مكان يضطهد فيه المسلمون، هذا واجب علينا، أقل ما يجب علينا لإخواننا هو الدعاء، إذا لم نشارك بأموالنا وأبداننا! فلا أقل من الدعاء).

ليث بن أمين العلواني

__________________________________________________________________________________________

اقرأ أيضًا:

مفردات ألفاظ الحجاج في القرآن الكريم

مراجعة رواية شرق المتوسط

editor

هيئة التحرير بمجلة روى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى