اقتِباسٌ للنصّ بحَذافيره؟
أم تصْحيحٌ له بَعد تحْريفه؟!
[ردّ مَزاعم اليهود في القرآن الكريم]
عبد الله العنزي

لَمَّا ظَهَرَ الإسلام صارَعَ جَميعَ المِلَّل فصرَعها، وقَارَع بِهَديهِ جَميعَ النِّحَل فقرَعها، وأخرج بأنْوَاره النَّاسَ مِن الظَلْمات إلى النُور، وحوَّلَت أحكامُه البَشَرَ إلى الظِلّ وكانوا في الحَرُور، فظَهَرَ بُرْهانهُ على جَميع الأَبَاطِيل، وطَلَعَ به الصَّباح فأطفأ كلَّ قِنْديل، فلمَّا خابَ منهُم الأملُ عن القِيَام في سُوح الخِصام والإلْزام، سلَكوا مَسْلَك العاجِز أمامَ القويّ، وأنْكَروا ما هو عِندَنا وإن كان بديهيًّ أوّليًّا؛ فجَعَلُوا للقرآن الكريم مصادرَ شَتَّى انْتُقِي منها، فمنها السَماوِيّ ومنها ما هو وَضْعيّ يُخَادعُون بها بَعضَ الدَهْماء.
ومن مُفْترَيَاتهم قولهم بأنّ القرآن الكريمَ اِقتَبَسَ مِن تلْمُودهم العِبرانيّ!
فهذا الحَبْر الألماني أبراهام جايجر (Abraham Geiger) يُبهر أقرانه باقْتِباسٍ يُسقِط سَماوِيّة القرآن الكريم بزعمه، حيث ادّعى في كتابه: (ماذا تعلّم محمّد من اليهوديّة؟))([1])
بأن الآية الثانية والثلاثين من سورة المائدة: {مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، مقتبَسة مِن (مِشناه سنهدرين، 4: 5): «خُلق الإنسان فردًا لِيَتبيّن أنّ مَن قَتَل فردًا بحسَب الكتاب كُتب عليه أنّه قد قَتل العِرْقَ كلّه؛ ولكن مَن حَفِظ حياةَ فردٍ عُدَّ حافظًا لحياةِ العِرْقِ كلّه».
وهذا زعمٌ باطلٌ مِن وجوه:
أوّلًا: أن التَّلْمُود نَفَسه أحال النّصَّ إلى التَّوْرَاة حيثُ قال “بحسب الكتاب”، وفي كتابهم بعهديه من هذا المعْنَى الشَيْء الكثير.
وأما دعوى اقْتِباس النصّ، فَقولٌ باطل وسنادٌ مائل، ولا سيّما أن التلْمُود لم يكن متُاحًا لغير اليهود، ولم تُعرف لهُ ترجمة عربيّة مُبكرة.
جاء في كتاب” التَّلْمُودُ أصلهُ وتسَلسلهُ وآدابهُ”، الذي نقلهُ من العِبْرانيَّة د. شمعون مُويال، قوله: (والمعروف أن التلمود سواء البابلي، الذي دُوِّن في بابل، أو الفلسطيني الذي دُوِّن في فلسطين، لم يكن مُتاحًا لغير حاخامات اليهود لدراسته وتدريسه، إلى أن بدأ عصر الطباعة في أوروبا في القرن السادس عشر، فبدأت ترجمات التلمود البابلي، تحديدًا في الظهور بترجمات إنجليزية وفرنسية).

مرفق رقم (١)
ثانيًا: مسْأَلة التَّشَابُه لا إشكال فيها، لأنّ القرآن الكريم والعهد القديم (بِشِقّيه النّصّي والشَّفَهي) خرَجا من سراج واحد.
فالقرآن الكريم لا ينُكر القَصَص التَّوْرَاتيَّة بالكُلِّيَّة، ولا يَردّ الأصل الإِلَهيّ لها، وإذا دفَع نصًّا فهو يدفعهُ لِمَا لَحِقَ أَصْلَه مِن تَحرِيفٍ أَرْضيّ.
ومع ذلك فلا نُسلم لهم بالاقتباس، لأنّ (الترجوم) لم يتَّخذ شكله النهائي إلا بعد الإسلام، وخلال هذه المدة المديدة جرَت عليه عدّة تَعْدِيلِات وإضافات، وتم تحريره وتحويره مرات عدّة.
والنسخة الوحيدة المُتاحة لهذا (الترجوم) هي نسخة متأخِّرة جدًّا، تعود إلى القرن السادس عشر، كما جاء في مقدمة كتاب: (ترجوم يوناثان الزائف: سفر التكوين المترجم، مع المقدمة والملاحظات))([2]).

مرفق رقم (٢)
ثالثًا: الذي أخفاه ودلسهُ الحَبْر الألماني أبراهام جايجر، وهو رجل دين ومُلِمّ بالعِبْرِيَّة؛ فحرَّف النصَّ حتى يرفع الحرج عن دينه، وعن نسخته المُترجَمة، كما فعل عندما حذف شتائم اليهود للسيد المسيح، أو اتهامهم لمريم -عليهما السلام-.
والنص العِبْرِي جاء محدّدًا باليهود بهذه العنصرية، فدَمُ اليهودي يُعادل كل دماء الخنازير (الأغيار = غير اليهود)!
((לפיכך נברא אדם יחידי , ללמדך שכל המאבד נפש אחת מישראל – מעלה עליו הכתוב כאילו איבד עולם מלא , וכל המקיים נפש אחת מישראל – מעלה עליו הכתוב כאילו קיים עולם מלא)).

مرفق رقم (٣)
وترجمته الحرفية إلى الإنجليزية:
Therefore, humans were created singly, to teach you that whoever destroys a single soul [of Israel], Scripture accounts it as if he had destroyed a full world; and whoever saves one soul of Israel, Scripture accounts it as if she had saved a full world.
فالقرآن الكريم ما جاء موافقًا لتحريفهم، ولا مُقتبسًا منه، بل رادًا على اليهود القَباليين الباطنيين -أسلاف الصهاينة-، ومصحّحًا لهم.
إذْ ليست نُفوس الأميّين عندهم بأكرم من البهائم، فأين هذا من سموّ القرآن وتعاليمه؟!
__________
([1]) عنوان الأصل: (Was hat Mohammed aus dem Judenthume aufgenormmen).
([2]) عنوان الأصل: (Targum Pseudo-Jonathan: Genesis Translated, With Introduction and Notes).
_________________________________________________________________________________
اقرأ أيضًا:




