العدد الخامسمقالات

جولة عاشق في الأندلس

جولة عاشق في الأندلس

محمد زياد الفناطسة·

جولة عاشق في الأندلس
جولة عاشق في الأندلس

لِمَ أشتاقُ إلى ذاك الزمن الذي ما عشتُه ولا حتى كنتُ قريبًا منه؟ إنَّها الأندلس، عاصمةُ العواصمِ، ومنارة العلم والمعرفة.

لمّا كانَ ذاك الزمان، كان التنوعُ الثقافي يجوب الأندلسَ من شرقها إلى غربها، كانتْ الأندلس محط أنظار العالم أجمع وقِبلة العالم في العلوم المتنوعة، فكان الغرب ينظرون إلى من يُجيد اللغةَ العربيّة أو من درَس في الأندلس نظرّة تقدير وتبجيل، كيف لا وهو قد تعلم على أيدي أشهر الفلاسفة والكُتّاب والمؤلفين في زمنه!

حين ننظرُ إلى المساقي، والقصورِ، والقناطر.. أهذهِ دولةٌ عربيّة أم جنّة من جنان الله في أرضه؟

أُعرّج قليلًا على قرطبة عاصمة الحضارة، فإشبيلية، فمالقة، ثم أمرّ بحيّ البيّازين في غرناطةَ الحمراء، تلك التي لها وقعٌ خاص في القلب. تنظرُ إلى الزقاقِ فتسرح بعيدًا عن هذا الزمن وتعود وكأنَّك داخل آلة الزمن إلى الخانات المُنتشرة في أرجاء قُرطبة، وتنظرُ إلى بعض المحال كيف كان هذا يعرض القماش، وذاك يصنع الخبز، هُنا كانت تسير الناس في هذه الزقاق وتتحدثُ إلى بعضها بعضًا بتلك اللهجة التي لم أسمعها يومًا، لكن لطالما ظننتها تُشبه المغربيّة والجزائرية لقرب الأندلس منهما.

حين تقرأ في تاريخ الأندلس، فإنك ستسرح في مخيلتك قليلًا عندما ذهب ذاكَ القائد العظيم “طارق بن زياد” بسبعة آلاف مقاتل ثم ألحقه “موسى بن نُصير” بخمسةِ آلاف فانتصر بهذا الجيش على جيشِ “لُذريق” الذي كان قِوامه مئة ألف مقاتل، كيف لا وقد كانت قلوبهم في ذاكَ الفتحِ معلَّقةٌ بربهم جلَّ في عُلاه!

ثمَّ تُعرّج قليلًا على أزمنةٍ في الأندلس، فترى بعد ذلك التشتت والضياعِ حتى كاد ينتهي الإسلام بالكليَّة من بلاد الأندلس، فانطلق ذاكَ الصقر “عبد الرحمن الداخل” إلى الأندلسِ ليجمع شملها بعد الشتاتِ لتُصبح بعد ذلك أعظم دولة في أوروبا، فتصير الأندلس إلى حُقباتٍ زمنية تارةً تصعد إلى السماء وتارةً تنحدرُ إلى أسفلِ القاع، إلى أن جاءَ دور ملوك الطوائف فيها فأصبحت كالجُثة التي قُطِّعت وصارت أشلاء!

وحين فزَع لها القائد العظيم “يوسف بن تاشفين” وصدَّ عنها أذلَّة القوط وقتذاك، تاريخٌ حين تقرؤه لا تدري أتضحك أم تبكي على عزٍ ومجدٍ قد حبانا الله إياه وأضعناه بلمح البصر بعد أن وصلنا فيه إلى مكانةٍ ما وصلها أحدٌ قبلنا.

حتى نصل إلى قصة غرناطة وضياعِ الأندلسِ بعدها، في هذه المرحلة تشعر وكأنَّ الروح تُنزع من جسدكَ، وقلبُك ينفطر من المشهد الذي يحدث بعد تسليم غرناطة “لفرناندو” من تنكيلٍ للمسلمين، وإنشاء محاكم التفتيش التي ما تركتْ نوعًا من أنواع التعذيب إلا وأذاقته المسلمين!

الهوامش:

  • كاتب وباحث في التاريخ والأدب، من الأردن.

اقرأ أيضًا:

في ذكرى سقوط الأندلس

نقائش الحمراء وإشاراتها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى