العدد الخامسمقالات

عبد الرحمن الحجي الأستاذ والإنسان

عبد الرحمن الحجي: الأستاذ والإنسان

عبد الواحد عبد الجبار التركي·

عبد الرحمن الحجي: الأستاذ والإنسان
عبد الرحمن الحجي: الأستاذ والإنسان

 

‏تمر السنون عابرة فوق جدار العمر تسابق الزمن لتضعنا في نهايته، أو أشرفت على نهايته، وكأن ما أرويه الآن لم يكن العام الدراسي ١٩٦٧ / ١٩٦٨  عندما كانت أعمارنا بحدود  ٢٢ سنة أو أكثر بقليل جدًا.

في الصف الرابع، قسم التاريخ / كلية الاداب / جامعة بغداد: عندما لاحظنا أن في الجدول الدراسي مادة جديدة هي التاريخ الأندلسي، وجاء يوم السبت الساعة الثامنة والنصف صباحًا عندما دخلنا إلى قاعة الدرس ودخل علينا شاب وسيم، شاب لا يتحاوز عمره عن أعمارنا نحن الطلبة سنوات قليلة، ليقدم نفسه لنا، إنه عبد الرحمن الحجي أستاذ مادة التاريخ الأندلسي التي ستكون المادة المقررة لنا هذا العام، وأنه كما علمنا عنه أول أستاذ عراقي حصل على درجة الدكتوراه في تاريخ الأندلس.

الأستاذ عبد الرحمن الحجي مدرّسًا:

كانت الحصة الأولى هي التعريف بنفسه وبالمادة التي يدرّسها والمصادر التي نعتمد عليها، مذكرنا أن المصدر المهم الذي يجب أن نقتنيه عن التاريخ الأندلسي مؤلفه الدكتور محمد عبد الله عنان.

ولثقته بنفسه العالية وبمادته العلمية قد نال إعجاب الجميع، وكانت حصة الدرس من الحصص المحببة لنا لنلتقي بالأستاذ القدير وهو يشير لنا على الإيجابيات التي قدمها الحاكم العربي لبلاد الأندلس والتي أصبحث منارًا للعلم التي يقصدها أغلب أولاد ملوك أوربا وأصبحت جامعات قرطبة وإشبيلية وغرناطة مدنَ إشعاع حضاري وعلمي للعالم أجمع.

ويذكرنا أستاذنا الكبير -رحمه الله- بالأخطاء الجسيمة التي أضعفت البلاد والتي أدت إلى تحويله إلى دويلات متناحرة بسبب الطمع في السلطة بالتآمر والتناحر وبيع الذمم للأعداء، والذي أدى بالتالي إلى كارثة انتهت بالانقسام والضعف والانحلال بعدما ملئت الدنيا عدلًا وعلمًا.

الأستاذ عبد الرحمن الحجي إنسانًا:

كان رحمه الله تعالى صديقًا وأخًا وناصحًا لجميع طلبته.

من الذكرى التي تجرّني إلى قاعة الامتحان النهائي لمادة أستاذنا الكبير عبد الرحمن الحجي -رحمه الله بالفردوس الأعلى- (التاريخ الأندلسي) فعندما وزعت الأسئلة علينا تفاجأنا جميعًا أن نوعية الأسئلة ليست كما تعوّدنا عليه كسردٍ تاريخي للأحداث، بل كانت أشبه بمادة الرياضيات، إما أن تحصل على درجة كاملة على كل سؤال أو يكون صفر، على نمط الصح والخطأ حيث في كل فرع منه إما تؤيده وتقول صح أو خطأ، ليحدد لك الدرجة بما أجببت. وكذلك سؤال الفراغات وغيره، ونتيجة ذلك أصاب اغلب الطلبة الإرباك والخوف من الإجابة، وعندما لاحظ ذلك وبسرعة بدأ يمر على كل طالب يهدّئه ويرشده ويطمنه أن ساعة الامتحان هذه لا تحدد نتيجة مسيرة دراسية لسنة كاملة وأنه يعلم بمستوى كل طالب واهتمامه في مادة الدرس، ويعلمنا أنه راض عن مستوانا الدراسي، وهذا مما أعاد الثقة للجميع.

أدينا الامتحان وتجمَّع البعض خارج القاعة ينتابهم الخوف من الإجابة التي قدموها، فما كان من أستاذنا الشاب الطيب إلا أن يقف بين الحميع مطَمْئنًا لهم أن النجاح سيكون حليفهم إن شاء الله، وقال بصوته الحنون: اطمئنوا جميعًا.

هكذا كان الأستاذ المرحوم  عبد الرحمن الحجي الذي حبَّب مادته التدريسية لطلبَته بحسن أدائه وخلُقه الكريم، بل أتمكّن أن أقول إن كثيرًا من طلبته قلَّد طريقته في التدريس والتعامل مع الطلبة.

كان الأستاذ عبد الرحمن الحجي الذي عرفناه لسنة دراسية واحدة، قد استطاع أن يملأ قلوبنا حبًّا واحترامًا له، وذكرى لا تنسى، وبقي اسمه ملازمنا إلى الآن وقد بلعت السنون العمرَ لتُوصله إلى نهايته، أو أشرفت على نهايته.

وأخيرًا أقول: لقد رحل أستاذنا عبد الرحمن الحجي جسدًا لكنّ روحه وذكراه ستبقى على مرّ السنين مهما طالت، تذكر ما قدمه للبحث التاريخي من مؤلفات وبحوث أصبحت من المراجع الثقة لكل باحث تاريخي لبلاد الفردوس المفقود، والتي جعلته حيًّا لم يمت بذكراه وسيرته وعلمه.

أسأل الله أن يجعل الفرودوس الأعلى مأواه مع الأنبياء والصالحين وأن يرزق أولاده البارين الصبر والسلوان وأن تكون سيرة حياته منارًا للآخرين للسير على نهجه.

 

___________

  • تربوي، وباحث في التاريخ، من العراق.

 

___________

اقرأ أيضًا:

عبد الرحمن الحجي سيرة ومسيرة

في ذكرى العلامة عبد الرحمن الحجي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى