العدد الرابعمقالات

حقيقة التوحيد والشرك

حَقِيقَةُ التَّوحِيدِ والشِّركِ

 

حقيقة التوحيد والشرك
حقيقة التوحيد والشرك

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَينَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلَامُ على نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ الأَمِين، وَعلى آلِهِ وَأَصحابِهِ أَجْمَعينَ، وَبَعْدُ:

فَهذا مُختَصَرٌ فِي بَيانِ حَقيقَةِ (التَّوحيدِ)، وَضِدِّهِ (الشِّرْكِ)، أَسأَلُ اللهَ أَنْ يَنفَعَ بِهِ مَنْ قَرَأَهُ، وَنَشَرَهُ.

ـ أَوَّلًا: التَّوحِيدُ:

هُوَ (إِفرادُ اللهِ عزوجل بِالعِبادَةِ ـ وَحْدَهُ ـ، وَهُوَ حَقُّ اللهِ على عِبادِهِ).

عَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صل الله عليه وسلم ـ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ ـ، فَقَالَ: (يَا مُعَاذُ: هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ)؟، قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ العِبَادِ عَلَى اللهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا)، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلاَ أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟، قَالَ: (لاَ تُبَشِّرْهُمْ؛ فَيَتَّكِلُوا) [رَواهُ البُخارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَاللَّفْظُ لِلبُخارِيِّ].، وَالحَدِيثُ لَيْسَ المَقْصودُ مِنْهُ الكِتْمانُ الأَبَدِيُّ، وَإِنَّما كانَ لِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ، بِدَليلِ أَنَّ مُعاذًا قَدْ أَخْبَرَ بِهذا الحَديثِ ـ قَبْلَ مَوتِهِ (تَأَثُّـمًا) ـ (كَما صَحَّ ذَلِكَ بِغَيرِ هَذَا اللَّفْظِ)؛ لِأَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ التَّبْشيرِ هِيَ (خَشْيَةُ الاتِّكالِ)، وَإِذَا زَالَتِ العِلَّةُ؛ جَازَ التَّبْشِيرُ، و(إِنَّما رَوَاهُ مُعاذٌ ـ مَعَ كَونِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ ـ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْهُ: أَنَّ هَذَا الإِخْبارَ يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ وَالأَحْوَالِ، وَالقَوْمُ كَانُوا ـ يَوْمَئِذٍ ـ حَدِيثِي العَهْدِ بِالإِسْلَامِ، لَمْ يَعْتَادوا تَكَالِيفَهُ، فَلَمَّا تَثَبَّتوا وَاستَقَاموا؛ أَخْبَرَهُم) [مِرْقاةُ المَفَاتِيحِ شَرْحُ مِشْكاةِ المَصَابِيْحِ: 1 / 98].

 

ـ أَساسُ التَّوحيدِ: أَساسُهُ هُوَ كَلِمةُ التَّوحيدِ: (لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ)، وَمَعناهَا: (لَا مَعْبودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللهُ)، وَقَولُنَا: (بِحَقٍّ) هُوَ قَيْدٌ هامٌّ ـ جِدًّا ـ، وَلَا يَسْتَقِيمُ المَفْهومُ الصَّحِيحُ ـ لَـهَا ـ إِلَّا بِهِ، وَهَذَا المَعْنَى ـ بِهَذَا القَيْدِ  الهَامِّ ـ لَا يَعْلَمُهُ (كَثِيرٌ مِنَ المُسْلِمينَ)!! ـ يَا لِلأَسَفِ ـ.

فَكُلُّ مَعْبودٍ غَيرَ اللهِ عزوجل ـ أَيًّا كَانَ ـ هُوَ (إِلهٌ بَاطِلٌ)، وَاللهُ تعالى  هُوَ المُسْتَحِقُّ لِلعِبادَةِ ـ لَا غَيرُهُ ـ، قَالَ اللهُ  عزوجل:{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [سُورَةُ الأَنبياءِ: 25]، وَلَـمَّا دَعَا النَّبِيُّ صل الله عليه وسلم المُشْرِكِينَ إِلى قَولِ: (لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ) امتَنَعوا؛ لِأّنَّهُم يَعرِفونَ حَقِيقَتَها وَمَعناهَا الَّذِي أَشَرْنا إِلَيهِ ـ آنِفًا ـ، فَحَكَى اللهُ عز وجل قَولَـهُم: { أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } [سُورَة ص: 5]، فَفَهِموا أَنَّها تَعْنِي (إِبْطالَ كُلِّ أَصنَامِهِم وَآلِـهَتِهِم، وَحَصْرَ العِبادَةِ للهِ ـ وَحْدَهُ ـ)، مَعَ أَنَّهُم مُقِرّونَ وَمُعْتَرِفونَ بِأَنَّ اللهَ تعالى هُوَ (الرَّازِقُ، وَالخَالِقُ، وَالمَالِكُ، وَالمُدَبِّرُ) ـ وَغيْرُهَا ـ قَالَ اللهُ تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ } [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 9]، وَقالَ I: { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ } [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 87]، وَقالَ تعالى: { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ }31{ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ }32{ [سُورَةُ يُونُس: 31، 32].

 

ـ أَهَمِّيَّـةُ كَلِمَةِ التَّوحِيدِ:

 

1 ـ أَنَّها دَعْوَةُ (جَميعِ الرُّسُلِ) ـ عَلَيْهِم الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ـ، وَإِلَيهَا دَعَوا أَقوامَهُم، قَالَ اللهُ تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ }[سُورَةُ الأَنبياءِ: 25].

2 ـ هِيَ (الرُّكْنُ الأَوَّلُ لِلإِسْلَامِ)، قَالَ رَسولُ اللهِ صل الله عليه وسلم: (بُنِيَ الإِسْلَامُ على خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، وَإِقامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتاءِ الزَّكاةِ، وَالحَجِّ، وَصَومِ رَمَضانَ) [رَواهُ البُخارِيُّ، وَمُسْلِمٌ].

3 ـ أَنَّ المَرْءَ لَا يَدْخُلُ الإِسْلَامَ إِلَّا بِالنُّطْقِ بِـ (كَلِمَةِ التَّوحِيدِ)، مُعْتَقِدًا حَقِيقَتَهَا، وَعَارِفًا مَعناهَا، قَالَ رَسولُ اللهِ صل الله عليه وسلم: (أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، فَمَنْ قَالَ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ؛ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي نَفْسَهُ وَمالَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلى اللهِ) [مُتَّفَقٌ عَلَيهِ].

4 ـ أَنَّها سَبَبٌ لِدُخولِ الجَنَّةِ ـ لِـمَنْ عَلِمَ مَعناهَا، وَحَقَّقَ أَرْكانَها، وَعَمِلَ بِمُقْتَضاها، وَلَـمْ يَرْتَكِبْ ناقِضًا مِنْ نَواقِضِهَا، وَماتَ عَلَى ذَلِكَ ـ، قَالَ رَسـولُ اللهِ صل الله عليه وسلم: (فَإِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، يَبْتَـغِي     ـ بِذَلِكَ ـ وَجْهَ اللهِ) [مُتَّفَقٌ عَلَيهِ]، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صل الله عليه وسلم : (مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ؛ إِلَّا دَخَلَ الْجنَّةَ). [رَواهُ مُسْلِمٌ].

5 ـ لِأَجلِ التَّوحيدِ أَنْزَلَ اللهُ تعالى الكُتُبَ، وَشَرَعَ اللهُ الجِهادَ فِي سَبيلِهِ.

6 ـ بِتَحقيقِ التَّوحِيدِ تَسْتَقيمُ العِبادَةُ للهِ عزوجل وَحْدَهُ ـ وَالَّتِي مِنْ أَجْلِهَا خَلَقَنا اللهُ تعالى ـ، قالَ اللهُ تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }[سورَةُ الذَّارياتِ: 56]، وَاشْتُهِرَ ـ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ ـ تَفْسيرهُم لِقَولِهِ U:  ] لِيَعْبُدُونِ [ ـ: (أَيْ:  لِيُوَحِّدونِ).

 

ـ مَفْهُومُ العِبَادَةِ:

و(العِبَادَةُ: هِيَ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ مِنَ الأَقْوَالِ، وَالأَعْمَالِ ـ البَاطِنَةِ، وَالظَّاهِرَة ـ)         [العُبُودِيَّةُ ـشَيْخُ الإِسْلَامِ (ابْنِ تَيْمِيَّةَ) ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ / 19]، وَقَالَ ـ كَذَلِكَ ـ: (وَالعِبَادَةُ أَصْلُ مَعْنَاهَا الذُّلُّ ـ أَيْضًا ـ، يُقَالُ: طَرِيْقٌ مُعَبَّدٌ؛ إِذَا كَانَ مُذَلَّلًا قَدْ وَطِئَتْهُ الأَقْدَامُ. لَكِنَّ العِبَادَةَ ـ المَأمُورَ بِهَا ـ تَتَضَمَّنُ مَعْنَى الذُّلِّ، وَمَعْنَى الحُبِّ، فَهِيَ تَتَضَمَّنُ غَايَةَ الذُّلِّ للهِ ـ تَعَالَى ـ، بِغَايَةِ المَحَبَّةِ لَهُ) [العُبُودِيَّةُ ـشَيْخُ الإِسْلَامِ (ابْنُ تَيْمِيَّةَ) ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ / 24].

و(العِبَادَةُ) لَا يَقْبَلُهَا اللهُ عزوجل إِلَّا بِشَرْطَيْنِ اثْنَينِ، إِذَا تَخَلَّفَ أَحَدُهُمَا؛ لَـمْ تُقْبَلْ؛ وَهُمَا:

1 ـ المُتَابَعَةُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ (العَمَلُ الصَّالِحُ) مُوَافِقًا لِأَمْرِ اللهِ عزوجل، وَلِأَمْرِ رَسُولِهِ صل الله عليه وسلم، وَعَلَى مُرَادِهِمَا، بِثُبوتِ (الأَصْلِ، وَالوَصْفِ) ـ مُجْتَمِعَيْنِ ـ.

2 ـ الإِخْلَاصُ: وَهُوَ أَنْ يَبْتَغِيَ المُسْلِمُ ـ بِـ (عَمَلِهِ الصَّالِحِ) ـ وَجْهَ اللهِ تعالى، وَأَنْ لَا يَبْتَغِيَ ـ بِهِ ـ وُجُوهَ النَّاسِ؛ فَيَكونُ (مُرَائِيًا).

وَدَلِيلُ كِلَا الشَّرْطَيْنِ ـ أَعْلَاهُ ـ هُوَ قَوْلُ اللهِ I: { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } [سُورَةُ الكَهْفِ: 110].

قَالَ الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ فِي قَوْلِهِ تعالى: { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً }[سُورَةُ هُودٍ: 7، وَسُورَةُ المُلْكِ: 2]:        (أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ [قَالُوا: يَا أَبَا عَليّ: مَا أَخْلَصَهُ وَأَصْوَبَهُ؟]، قَالَ: فَإِنَّ العَمَلَ إِذَا كَانَ خَالِصًا، وَلَـمْ يَكُنْ صَوَابًا؛ لَـمْ يُقْبَلْ، وَإِذَا كَانَ صَوَابًا، وَلَـمْ يَكُنْ خَالِصًا؛ لَـمْ يُقْبَلْ، حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا، وَالخَالِصُ: أَنْ يَكُونَ للهِ، وَالصَّوَابُ: أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ) [مَجْموعُ الفَتَاوَى لِشَيْخِ الإِسْلَامِ ابنِ تَيْمِيَّةَ (18 /250)].

 

ـ رُكنا كَلِمَةِ التَّوحِيدِ:

كَلِمَةُ التَّوحِيدِ لَـهَا رُكنانِ: (نَفْيٌ، وَإِثْباتٌ)، وَلَا يَسْتَقيمُ مَعناهَا إِلَّا بِهِما، (لَا إِلهَ = نَفْيٌ)، (إِلَّا اللهُ = إِثْباتٌ)، فَنَنْفِي (الأُلوهِيَّةَ) عَمَّا سِوى اللهِ عزوجل ونُثْبِتُها لَهُ عزوجل ، فَالنَّفْيُ ـ وَحْدَهُ ـ لَيْسَ (تَوحِيدًا)، وَالإِثْباتُ ـ وَحْدَهُ ـ لَيْسَ (تَوحِيدًا)، قَالَ اللهُ تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ  الْكَبِيرُ }[سُورَةُ الحَجِّ: 62].

 

ـ أَنواعُ التَّوحِيدِ:

قَالَ الشَّيْخُ (ابنُ عُثَيْمينَ) ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ: (وَاعْلَمْ: أَنَّ العُلَمَاءَ ـ رَحِمَهُم اللهُ ـ قَسَّموا التَّوحِيدَ إِلى ثَلَاثَةِ أَقْسامٍ:

1 ـ تَوحِيدُ الرُّبوبِيَّةِ.

2 ـ تَوحِيدُ الأُلوهِيَّةِ.

3 ـ تَوحِيدُ الأَسْماءِ وَالصِّفَاتِ.

وَقَسَّموها ـ هَذَا التَّقْسِيمَ ـ بِنَاءً عَلَى التَّتَبُّعِ وَالاسْتِقْرَاءِ، وَاسْتِئْناسًا بِقَولِ اللهِ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } [سُورَةُ مَريَمَ: 65]، فَإِنَّ الآيَةَ الكَرِيمَةَ تَضَمَّنَتْ أَنْواعَ التَّوحِيدِ الثَّلَاثَةَ:

فَقَولُهُ ـ تَعَالَى ـ: { رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا }هَذا (تَوحِيدُ الرُّبوبِيَّةِ).

وَقَولُهُ ـ تَعَالَى ـ: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ } هَذا (تَوحِيدُ الأُلوهِيَّةِ).

وَقَولُهُ ـ تَعَالَى ـ: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا }هَذا فِي (الأَسماءِ وَالصِّفَاتِ)؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا }  أَيْ: لَا تَعْلَمُ لَهُ نَظِيرًا، وَمُساوِيًا لَهُ فِي أَسْمائِهِ وَصِفاتِهِ) [شَرْحُ كِتابِ (عَقيدَةُ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ) / 19].

وَلِبَيانِ هَذِهِ الأَقْسامِ الثَّلَاثَةِ؛ نَقولُ:

 

الأوَّلُ: (تَوحِيدُ الرُّبوبِيَّةِ)، وَهُوَ تَوحِيدُ اللهِ تعالى بِأَفْعَالِهِ، أَي: (إِفْرَادُ اللهِ U بِالخَلْقِ، وَالمُلْكِ، وَالرِّزْقِ، وَالتَّدْبيرِ، وَالأَمْرِ) ـ وَغَيرِها مِـمَّا يَخْتَصُّ بِأَفْعَالِهِ  ـ، قَالَ اللهُ تعالى: { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ } [سُورَةُ الأَعرَافِ:54]، وقال تعالى: { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ }[سُورَةُ فاطِر: 13]، وقال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } [سُورَةُ سَبَأٍ: 24]، وقال تعالى : { يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ }[سُورَةُ السَّجْدَةِ: 5]، وَهُوَ القِسْمُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ المُشرِكونَ، وَمَعَ هَذَا الإِقْرارِ (لَـمْ يَكونوا مُسلِمينَ!)؛ لأَنَّهُم (صَرَفوا العِبادَاتِ لِغَيرِ اللهِ U).

قَالَ الشَّيْخُ (ابْنُ عُثَيمينَ) ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ: (أَمَّا تَوحِيدُ الرُّبوبِيَّةِ: فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، فَكُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ هَذِهِ الخَلِيقَةَ لَـهَا خَالِقٌ؛ فَإِنَّهُ لَـمْ يُنْكِرْهُ، إِلَّا مُكَابَرَةً، وَالمُكابَرَةُ لَيْسَ فِيْهَا فَائِدَةٌ ) [شَرْحُ كِتابِ (عَقيدَةُ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ) / 23].

 

الثَّاني: (تَوحِيدُ الأُلوهِيَّةِ)، وَهُوَ: (إِفْرَادُ اللهِ تعالى  ـ وَحْدَهُ ـ بِالعِبادَةِ)، قَالَ اللهُ تعالى: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } [سورَةُ الأَعرَافِ:59].

فَكُلُّ عِبادَةٍ وَرَدَتْ فِي الشَّرْعِ، لَا يَصِحُّ صَرْفُهَا لِغَيرِ اللهِ تعالى  ـ أَيًّا كانَ ـ، وَمَنْ صَرَفَهَا لِغَيرِ اللهِ U؛ فَقَدْ  أَشْرَكَ، كَمَنْ يَحْلِفُ بِغَيرِ اللهِ تعالى، وَيَنْذُرُ لِغَيرِ اللهِ تعالى، وَيَسْتَعِينُ بِغَيرِ اللهِ تعالى، وَيَسْتَغيثُ بِغَيرِ اللهِ تعالى ـ وَغَيرُ ذَلِكَ ـ، وَهَذا القِسْمُ الَّذِي ضَلَّ بِهِ المُشْرِكونَ ـ فِي كُلِّ زَمانٍ، وَمَكانٍ ـ، مَعَ إِقْرَارِهِم بِـ (تَوحِيدِ الرُّبوبِيَّةِ)!!.

قَالَ الشَّيْخُ (ابْنُ عُثَيمينَ) ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ: (وَأَمَّا تَوحِيدُ الأُلوهِيَّةِ: فَقَدْ أَنْكَرَهُ أُناسٌ أَذْكِياءُ، عِنْدَهُم عَقْلٌ إِدْرَاكِيٌّ لَا عَقْلٌ إِرْشَادِيٌّ، مِثْلُ المُشْرِكِينَ ـ كُفَّارِ قُرَيْشٍ ـ، أَنْكَروا تَوْحِيدَ الأُلوهِيَّةِ ـ مَعَ إِقْرَارِهِم بِتَوحِيدِ الرُّبوبِيَّةِ إِقْرَارًا كامِلًا ـ، وَجَعلوا مَعَ اللهِ ـ تَعَالَى ـ إِلهًا آخَرَ ) [شَرْحُ كِتابِ (عَقيدَةُ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ) / 24].

 

الثَّالِثُ: (تَوحِيدُ الأَسْماءِ وَالصِّفَاتِ)، وَهُوَ: (إِفْرَادُ اللهِ عز وجل بِما أَثبَتَهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الأَسْمَاءِ الحُسْنَى، وَالصِّفَاتِ العُلْيَا، مِنْ غَيرِ تَعْطيلٍ، وَلَا تَكْييفٍ، وَلَا تَمثِيلٍ، وَلا تَأوِيلٍ، وَلَا تَحْرِيفٍ)، وَأَنهُ I لَا يُشَابِهُهُ ـ فِي أَسْمَائِهِ، وَصِفَاتِهِ ـ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَ اللهُ تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [سورَةُ الشُّورى: 11]، وَأَنَّ أَسْمَاءَ اللهِ عزوجل ـ كُلَّهَا ـ  حُسْنَى، وَأَنَّ صِفَاتِهُ U ـ كُلَّهَا ـ عُلْيَا. قَالَ اللهُ تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [سُورَةُ الأَعرَافِ: 180].

قَالَ الشَّيْخُ (ابْنُ عُثَيمينَ) ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ: (وَأَمَّا تَوحِيدُ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ: فَقَدْ أَقَرَّهُ المُسْلِمونَ ـ كُلُّهُمْ ـ، لَكِنْ أَنْكَرَهُ بَعْضُ طَوَائِفٍ مِنَ المُسْلِمينَ ـ يَعْنِي مِـمَّنْ يُقِرُّونَ بِتَوحِيدِ الأُلوهِيَّةِ، وَتَوحِيدِ الرُّبوبِيَّةِ ـ؛ فَأَنْكَروا شَيْئًا مِنْ تَوحِيدِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ عَطَّلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَثَّلَ.

وَلِهَذَا: انْقَسَمَ النَّاسُ ـ فِي بَابِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ ـ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

الأَوَّلُ: مُـمَثِّلَةٌ، وَالثَّانِي: مُعَطِّلَةٌ، وَالثَّالِثُ: أَهْلُ حَدِيثٍ وَسُنَّةٍ، مُثْبِتونَ عَلَى وَجْهٍ لَائِقٍ بِاللهِ) [شَرْحُ كِتابِ       (عَقيدَةُ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ) / 24].

 

ـ شُروطُ كَلِمَةِ التَّوحيدِ (لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ)، وَأَدِلَّتُهَا:

1 ـ العِلْمُ: وَهُوَ العِلْمُ المُنَافِي لِلْجَهْلِ، بِأَنْ يُعْلَمَ مَعنَاهَا ـ (نَفْيًا، وَإِثْبَاتًا) ـ.

الدَّلِيلُ مِنَ (القُرآنِ): هُوَ قَولُ اللهِ تعالى : { فَاعْلَمْ أَنَّـهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ } [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 19].

وَالدَّلِيلُ مِنَ (السُّنَّةِ): هُوَ قوْلُ النَّبِيِّ صل الله عليه وسلم : (مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ؛ دَخَلَ الجَنَّةَ) [رَواهُ مُسْلِمٌ].

2 ـ اليَقِينُ: وَهُوَ اليَقِينُ المُنَافِي لِلشَّكِّ، فَتَطْمَئِنُّ النَّفْسُ لَـهَا، وَلِـمَدْلولِـهَا، يَقِيْنًا جَازِمًا.

الدَّليلُ مِنَ (القُرآنِ): هُوَ قَولُ اللهِ تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ }[سُورَةُ الحُجُرَاتِ: 15].

وَالدَّلِيلُ مِنَ (السُّنَّةِ): هُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ صل الله عليه وسلم : (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولَ اللهِ، لَا يَلْقَى اللهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيْهِمَا؛ إِلَّا دَخَلَ الْجنَّةَ) [رَواهُ مُسْلِمٌ].

3 ـ الإِخْلَاصُ: وَهُوَ الإِخْلَاصُ المُنَافِي لِلْرِّيَاءِ، بِتَنْقِيَةِ العَمَلِ الصَّالِحِ مِنْ دَخَنِ الشِّرْكِ، وَأَنْ لَا يَبْتَغِيَ بِذَلِكَ إِلَّا وَجْهَ اللهِ U.

الدَّليلُ مِنَ (القُرآنِ): هُوَ قَولُ اللهِ تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [سُورَةُ البَيِّنَةِ: 5].

وَالدَّلِيلُ مِنَ (السُّنَّةِ): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ: مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ ـ يَوْمَ  القِيَامَةِ ـ؟، قَالَ رَسُولُ اللهِ صل الله عليه وسلم : (لَقَدْ ظَنَنْتُ ـ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ـ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي ـ عَنْ هَذَا الحَدِيثِ ـ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْكَ؛ لِـمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيْثِ: أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي ـ يَوْمَ القِيَامَةِ ـ مَنْ قَالَ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ)   [رَوَاهُ البُخارِيُّ].

4 ـ الصِّدْقُ: وَهُوَ الصِّدْقُ المُنَافِي لِلكَذِبِ، وَهُوَ أَنْ يَقُوْلَـهَا صَادِقًا مِنْ قَلْبِهِ، يُوَاطِئُ قَلْبَهُ لِسَانُهُ.

الدَّليلُ مِنَ (القُرآنِ): هُوَ قَولُ اللهِ تعالى : {الم { 1 }أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ {2 }وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {3 } } [سُورَةُ العَنكَبوتِ 1 ـ 3].

وَالدَّلِيلُ مِنَ (السُّنَّةِ): هُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ صل الله عليه وسلم: (مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ـ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ ـ؛ إِلَّا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ) [رَواهُ الشَّيْخَانِ].

5 ـ المَحَبَّةُ: وَهِيَ المَحَبَّةُ المُنَافِيَةُ لِلْبُغْضِ، وَهُوَ أَنْ يُحِبَّ هَذِهِ الكَلِمَةَ، وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ، وَيُحِبَّ أَهْلَهَا.

الدَّليلُ مِنَ (القُرآنِ): هُوَ قَولُ اللهِ تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ } [سُورَةُ البَقَرَةِ: 165].

وَالدَّلِيلُ مِنَ (السُّنَّةِ): هُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ صل الله عليه وسلم : (ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيْهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)    [رَواهُ الشَّيْخَانِ].

6 ـ الانْقِيَادُ: وَهُوَ الانْقِيادُ المُنَافِي لِلْتَّرْكِ، بِأَنْ يَنْقَادَ لِشَرْعِ اللهِ عزوجل، وَيُسْلِمَ وَجْهَهُ للهِ عزوجل ، وَيُذْعِنَ لِـحُكْمِهِ وَأَمْرِهِ وَنَهْيهِ.

الدَّليلُ مِنَ (القُرآنِ): هُوَ قَولُ اللهِ تعالى : {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ }[سُورَةُ الزُّمَرِ: 54].

وَالدَّلِيلُ مِنَ (السُّنَّةِ): عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ: لَـمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {.. وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ..} [سُورَةُ البَقَرَةِ: 284]، قَالَ: دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ، لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ مِنْ شَيْءٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صل الله عليه وسلم : (قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا)، قَالَ: فَأَلْقَى اللهُ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِم؛ فَأَنْزَلَ اللهُ ـ تَعَالَى ـ: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا... } [سُورَةُ البَقَرَةِ: 286]؛ قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ {.. رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا… } [سُورَةُ البَقَرَةِ: 286]؛  قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، {… وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا... } [سُورَةُ البَقَرَةِ: 286]؛ قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ. [رَواهُ مُسْلِمٌ].

7 ـ القَبُولُ: وَهُوَ القَبولُ المُنَافِي لِلْرَّدِّ، فَيَقْبَلُ هَذِهِ الكَلِمَةَ ـ (اعْتِقَادًا، وَقَوْلًا، وَعَمَلًا) ـ، وَلَا يَرُدُّهَا ـ أَوْ شَيْئًا مِنْ مُقْتَضَيَاتِهَا ـ (كِبْرًا).

الدَّليلُ مِنَ (القُرآنِ): هُوَ قَولُ اللهِ تعالى  ـ فِيْمَنْ رَدَّهَا وَلَـمْ يَقْبَلْهَا ـ: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ {35 } وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ {36 } } [سُورَةُ الصَّافَّاتِ: 35، 36].

وَالدَّلِيلُ مِنَ (السُّنَّةِ): هُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ صل الله عليه وسلم : (مَثَلُ مَا بَعَثَنِيَ اللهُ بِهِ ـ مِنَ الهُدَى، وَالعِلْمِ ـ كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيْرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتْ المَاءَ؛ فَأَنْبَتَتْ الكَلَأَ، وَالعُشْبَ الكَثِيْرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ المَاءَ؛ فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا، وَسَقَوا، وَزَرَعوا، وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى؛ إِنَّـمَا هِيَ قِيْعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً، وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِيْنِ اللهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِيَ اللهُ بِهِ؛ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَـمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأسًا، وَلَـمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ) [رَواهُ الشَّيْخانِ].

 

قَالَ الشَّيْخُ (حَافِظُ بنُ أَحْمَدَ الحَكَمِيُّ) ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ فِي مَنْظُومَتِهِ (سُلَّمِ الوصولِ إِلَى مَبَاحِثِ عِلْمِ الأُصولِ):

وَبِشُـرُوطٍ سَبْـعَـــةٍ قَـدْ قُـيِّـدَتْ     وَفِي نُصُوصِ الوَحْيِ حَقًّـا وَرَدَتْ

فَـإنَّـهُ لَـمْ يَنْتَـفِــــعْ قَائِـلُــــهَا     بِالنُّـطْـقِ إِلَّا حَيْـثُ يَسْتَكْمِلُــهَا

العِلْـمُ، وَاليَـقِيْــنُ، وَالقَبُـــولُ     وَالانْــقِـيَادُ فَــادْرِ مَــا أَقُــــولُ

وَالصِّدْقُ، وَالإِخْلَاصُ، وَالمَحَبَّه     وَفَّـقَـــكَ اللهُ لِــــــمَا أَحَـبَّــــه

 

وَمِنْ لَوَازِمِ كَلِمَةِ التَّوحِيْدِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ):

1 ـ البَرَاءَةُ مِنَ (الشِّرْكِ) ـ بِكُلِّ أَشْكَالِهِ، وَصُوَرِهِ ـ:

الدَّليلُ مِنَ (القُرآنِ): قَالَ اللهُ تعالى  ـ عَلَى لِسَانِ إِبْرَاهِيْمَ عليه السلام  لِقَوْمِهِ ـ: {يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ }[سُورَةُ الأَنْعَامِ: 78].

وَالدَّلِيلُ مِنَ (السُّنَّةِ): هُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ صل الله عليه وسلم : (مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللهِ؛ حَرُمَ مَالُهُ، وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

2 ـ البَرَاءَةُ مِنَ (أَهْلِ الشِّرْكِ) ـ بِاعْتِقَادِ بُطْلَانِ دِيْنِهِم ـ:

الدَّليلُ مِنَ (القُرآنِ): قَالَ اللهُ تعالى : {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ } [سُورَةُ المُمْتَحَنَةِ / 4].

وَالدَّلِيلُ مِنَ (السُّنَّةِ): هُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ صل الله عليه وسلم : (أَوْثَقُ عُرَى الإِيْمَانِ: المُوَالَاةُ فِي اللهِ، وَالمُعَادَاةُ فِي اللهِ، وَالحُبُّ    فِي اللهِ، وَالبُغْضُ فِي اللهِ عزوجل ) [صَحِيْحُ الجَامِعِ: 2539].

ـ ثانِيًا: الشِّرْكُ:

هُوَ: (أَنْ يَجْعَلَ الإِنْسَانُ للهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَهُ).

والـ (نِدُّ) هو (النَّظيرُ)، قَالَ اللهُ U:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ }[سورَةُ البَقَرَةِ: 165]، وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعودٍ قَالَ: سَأَلْـتُ النَّبِيَّ r : أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟، قَالَ: (أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ). قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟، قَالَ: (وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَـخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ). قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟، قَالَ: (أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ) [رَواهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ ـ وَغَيرُهُمَا ـ].

وَهُوَ أَكْـبَرُ الكَبَائِرِ، فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُـنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صل الله عليه وسلم  فَقَالَ: (أَلاَ أُنَبِّـئُـكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ)؟، قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: (الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّـكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: (أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ)، فَمَا زَالَ يَقُولُهَا، حَتَّى  قُلْتُ: لاَ يَسْكُتُ. [رَواهُ البُخارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَاللَّفْظُ لِلبُخارِيِّ].

ـ وَالشِّرْكُ: (أَنْ يَصْرِفَ الإِنْسَانُ أَيَّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ العِبادَةِ لِغَيرِ اللهِ عزوجل)، كَـ (الذَّبْحِ، وَالنَّذْرِ، وَالقَسَمِ، وَالاسْتِعَانَةِ، وَالاسْتِغَاثَةِ، وَالاسْتِعَاذَةِ، وَالخَوْفِ، وَالرَّجَاءِ، وَالخَشْيَةِ) ـ وَغَيرِهَا ـ، وَمَن صَرَفَ شَيْئًا مِنَ العِبَادَةِ لِغَيرِ اللهِ I؛ فَقَدْ وَقَعَ فِي (الشِّرْكِ، وَالكُفْرِ)، قَالَ اللهُ تعالى : { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } [سُورَةُ المُؤمِنونَ: 117].

ـ خَطَرُ الشِّرْكِ:

الشِّرْكُ هُوَ الذَّنْبُ الوَحِيدُ الَّذِي لَا يَغفِرُهُ اللهُ I مَا لَـمْ يَتُبْ ـ مِنْهُ ـ صَاحِبُهُ قَبْلَ مَوتِهِ، قَالَ اللهُ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ }[سورَةُ النِّساءِ:48]، وَقَدْ أَمرَ (كُلُّ الرُّسُلِ) أَقْوامَهُم بِـ (التَّوحِيدِ)، وَحَذَّروهُمْ مِنَ (الشِّرْكِ)، وَكَانَت دَعوَتُهُم: { اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ }.

2 ـ سَمَّى اللهُ عزوجل الشِّرْكَ (ظُلْمًا)؛ فَقَالَ عَلى لِسَانِ العَبْدِ الصَّالِحِ (لُقْمَانَ) ـ وَهُوَ يَعِظُ ابْنَـهُ ـ: { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }[سورَةُ لُقمانَ:13]، عَنْ عَبْدِ اللهِ t، قَالَ: لَمـَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ }[سُورَةُ الأَنْعَامِ: 82]، شَقَّ ـ ذَلِكَ ـ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صل الله عليه وسلم، وَقَالُوا: أَيُّـنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟!، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صل الله عليه وسلم : (لَيْسَ كَمَا تَظُنُّونَ؛ إِنَّـمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [سورَةُ لُقمانَ:13]) [رَواهُ البُخَارِيُّ].

قَالَ الشَّيْخُ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ السِّعْدِيّ) ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ فِي تَفْسِيْرِ قَوْلِهِ تعالى : { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } ـ: ( وَوَجْهُ كَوْنِهِ عَظِيْـمًا: أَنَّهُ لَا أَفْظَعَ وَلَا أَبْشَعَ مِـمَّنْ سَوَّى المَخْلوقَ مِنْ تُرَابٍ، بِمَالِكِ الرِّقَابِ، وَسَوَّى الَّذِي لَا يَمْلِكُ مِنَ الأَمْرِ شَيْئًا، بِمَالِكِ الأَمْرِ كُلِّهِ، وَسَوَّى النَّاقِصَ الفَقِيْرَ ـ مِنْ جَمِيعِ الوُجوهِ! ـ، بِالرَّبِّ الكَامِلِ الغَنِيِّ ـ مِنْ جَمِيعِ الوُجوهِ ـ، وَسَوَّى مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْعِمَ بِمِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنَ النِّعَمِ بِالَّذِي مَا بِالخَلْقِ مِنْ نِعْمَةٍ ـ فِي دِيْنِهِم، وَدُنْيَاهُم، وَأُخْرَاهُم، وَقُلُوبِهُم، وَأَبْدَانِهُم ـ إِلَّا مِنْهُ، وَلَا يَصْرِفُ السُّوْءَ إِلَّا هُوَ؛ فَهَلْ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا الظُّلْمِ شَيْءٌ؟!، وَهَلْ أَعْظَمُ ظُلْمًا مِـمَّنْ خَلَقَهُ اللهُ لِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، فَذَهَبَ ـ بِنَفْسِهِ الشَّرِيْفَةِ ـ فَجَعَلَهَا فِي أَخَسِّ المَرَاتِبِ؛ جَعَلَهَا عَابِدَةً لِـمَنْ لَا يَسْوَى شَيْئًا؛ فَظَلَمَ نَفْسَهُ ظُلْمًا كَبِيْرًا).

3 ـ الشِّرْكُ مُحْبِطٌ لِلعَمَلِ، وَنَاقِضٌ لَهُ، قَالَ اللهُ تعالى : { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  }[سورَةُ  الأَنعامِ: 88 ]، وَقَالَ لِلنَّبِيِّ r: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) } [سُورَةُ الزُّمَر: 65، 66].

4 ـ المُشْرِكُ مَصيرُهُ النَّارُ ـ إِنْ مَاتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَلَـمْ يَتُبْ مِنهُ ـ، قَالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم: (مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَدْعو مِنْ دُونِ اللهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ) [رَواهُ البُخارِيّ].

 

 

ـ إِشَارَتَانِ هَامَّتَانِ:

1 ـ الشِّرْكُ لَـمْ يَنْـتَـهِ زَمَانُهُ، وَلَـمْ تَنْـتَـهِ صُوَرُهُ؛ فَهُوَ مَوجودٌ إِلى قِيَامِ السَّاعَةِ!!، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى عِبَادَةِ الأَصْنَامِ ـ فَحَسْبُ ـ؛ فَإِنَّ هُنَاكَ مَنْ يَصرِفُ (أَنْوَاعًا مِنْ العِبادَاتِ) لِأُنَاسٍ أَمْوَاتٍ صَالحِينَ ـ وَغَيْرِ صَالِحينَ!! ـ، لَا يَمْلِكونَ لِأَنفُسِهِم ـ وَلَا لِغَيرِهِم ـ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا، قَالَ اللهُ تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } [سورَةُ الأَعرَافِ: 194].

2 ـ أَنَّ (مُشْرِكِي الأَصْنَامِ ـ فِي الزَّمَنِ الأَوَّلِ ـ) كَانُوا يَلْجَأونَ إِلَيْهَا بِالدُّعَاءِ، وَطَلَبِ الحَاجَاتِ فِي (السَّرَّاءِ)    ـ فَقَطْ ـ، وَإِذَا مَسَّهُم الضُّرُّ؛ لَجَأوا إِلى اللهِ تعالى  ـ وَحْدَهُ ـ، قال الله تعالى : {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ {65} لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ {66} }[سُورَةُ العَنْكَبوتِ: 65، 66]، أَمَّا (مُشْرِكو هَذِهِ الأَزْمِنَةِ)؛ فَإِنَّهُم يَلْجأونَ إِلى قُبُورِ (الأَمواتِ!) فِي (السَّرَّاءِ، وَالضَّرَّاءِ)   ـ مَعًا ـ!!.

 

ـ خِتَامًا: أَسْأَلُ اللهَ عزوجل أَنْ يَسْتَعْمِلَنَا فِي طَاعَتِهِ، وَأَنْ يُحْييَنَا عَلَى (التَّوْحِيدِ، وَالسُّنَّةِ)، وَأَنْ يَقْبِضَنَا عَلَيْهِمَا، لَا مُغَيِّرينَ وَلَا مُبَدِّلِينَ، حَتَّى نَلْقَاهُ وَهُوَ رَاضٍ عَنَّا، وَأَنْ يَكْتُبَ لَنَا الحُسْنَى وَزِيَادَة، بِلَا سَابِقَةِ عَذَابٍ أَوْ حِسَابٍ.. اللَّهُمَّ آمِينَ… وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

 

 

بَكر آل مَهدي

اقرأ أيضًا:

رسالة في إعراب كلمة التوحيد وتحقيق معناها

القول الشاذ في الفقه الإسلامي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى