قصيدة تذوُّقية لقصيدة أم السليك الحماسية
قصيدة تذوُّقية
لقصيدة أم السليك الحماسية([1])
يُراعُ فصالُ روحٍ عن جسومٍ
لأصداءِ النواحِ على الفراقِ
على بُعد المدى صوتٌ تهادى
تناقلَه الزمانُ على البُراقِ
فجائعُ في الحروف لها دويّ
كأن حروفها نهرُ المآقي
ونشْرُ الشَّعر من هولٍ وكربٍ
بشِعرٍ سَاقَه سوقَ الرفاقِ
وجمرُ الفَقْد أضحى مثلَ عقدٍ
على نحر الرثاءِ من الرِّقاقِ
تُلببُّ نفسها حتّى نراها
نراها مثلَ فارغةِ السواقي
تُجمّع للهمومِ غيومَ ثُكل
فتمطِرُ حزنها من غيرِ واقِ
كأن مصائب الدنيا جميعًا
تتابعها سباقًا للِّحاقِ
وفي كبدِ العجوزِ حريقُ صدقٍ
تصاعدَ كالدخان من احتراقِ
تبيِّنُ للأنامِ بغير شكوى
ظلامَ القلبِ في ليلِ المحاقِ
وشومها للبروق غذاهُ شومٌ
لأمنيةِ التقاربِ والتلاقي
وأسئلةٌ تتابعُها بشكٍّ
كأنها في التساؤلِ ذو نفاقِ
وصبحٌ لليقينِ غدا كلَيلٍ
تقطُّعه الظنونُ كذي شقاقِ
جوابٌ قد تأخرَّ عن سؤالٍ
كسحرٍ ما لَهُ في الناس راقِ
وأمنيةُ الزمانٍ بصبرِ قلبٍ
وكيف لها اصطبار عن فراقِ؟
تفدِّيهِ.. ولكنْ لا فداءٌ
ولو ملكته كانتْ كالصَّداقِ
فما شأنُ السُّليكِ وما عراهُ؟
وما شأن العجوزِ لدى اشتياقِ؟
وما صدع القلوب؟ وما حديثٌ
تجيئ به السواكنُ في المآقي؟
وهل يبدي الكلامُ ستارَ غيبٍ
وهل بلغتْ بكاها للتَّراقِي؟
طافَ يَبغي نجوةً * من هلاكٍ فَهَلَكْ
لَيت شِعري ضلّةً * أيّ شيءٍ قَتَلكْ
أَمريضٌ لم تُعَد * أم عدوٌّ خَتَلَكْ
أَم تولّى بكَ ما * غال في الدهرِ السُّلَكْ
وَالمَنايا رصدٌ * لِلفَتى حَيثُ سَلَكْ
وراء الغيبِ قد ألقته أمٌ
فلا تدري مكانًا للتلاقي
فراغُ القلب منها في فراغٍ
وحيرتها تناهت للعناقِ
أما كنتَ المجيبَ إذا دعونا
أما كنتَ الأبرّ لدى السباقِ؟؟
وعارِضكَ المهلل من سناهُ
يفيءُ بِنا ظلالًا في تواقِ
أما كانتْ خيول القومِ تعدو
فتسبقها إلينا في اشتياقِ
تغيبُ بكَ الغيوبُ عن العيونِ
وفي عينيّ من عينيكَ ساقي
يطوف بكَ التهمُّم في المعالي
فتشغل بالعلوِّ وبالمراقي
تطوف لتبتغي للناسِ رفدًا
كأنكَ في المكارِم ذو بُراقِ
أتشغلكَ المكارم عن لقائي
وإنني في اشتياقِ واحتراقِ
ألَا مَن يخبر الأشواقَ أنّي
لحالكَ يا سُليكُ على وثاقِ
أذوق من السهاد مريرَ سُقمٍ
وفي نومي تجيءُ على عِتاقِ
تطوفُ لتبتغي في الأرض منجى
فهل صدقتْ نجاتكُ يا مَناقي؟
أما لو كنتَ حيًّا كنتَ تأتي
كما اعتدتُ التصبُّحَ بالمذاقِ
أما لو كنتَ حيًّا كنتَ فينا
بمنزلة السوادِ من الحِداقِ
أما لو كنتَ حيًّا يا وليدي
لكنتَ على الجلودِ من الصفاقِ
ولكن لستَ تأتي يا رفيقي
وما أم الكريم من الرّفاقِ
أسائل عنك يا حِبّي نعاجي
وأسألُ ما يُشدّ على النطاق
وأسأل حيَّنا والناسَ ويلي
وأسأل عنك جاريةَ العراقِ
أحيٌّ يا بُنيَّ وما تراني؟
وأشغلك الصفاق مع الصفاقِ؟
أحيٌّ يا بنيَّ وأنتَ حرٌّ
تراقبُ عبدةً فوقَ الفَواقِ
أغالك من سقامٍ ما يُرديّ
جبالًا من جبالك في التحاقِ
أفي سقمٍ أتاك ولا معينٌ
يعودكُ بالتبسم والعناقِ
أحيٌ أنتَ كي أرجو لقاءً
وإني في الرجاء على نِياقِ
أحيٌّ أنت أم ميتٌ فويلي
وويلي ثم ويلي من فراقِ
أغالكَ من عدوِّك سهمُ غدرٍ؟
فغالنيَ التفجعُّ بانطلاقِ
أسبعٌ أم ذِئاب الإنس منّا
تهاديك المنايا في رِباقِ
تساءلني المنايا ما دهاها؟
وأنت دهيتها فوقَ الطّباقِ
بلى.. قد كان بل قد كان حقًّا
وأسلمكَ الزمانُ إلى حِلاقٍ
حِلاقِ الموتِ في قفرٍ بعيدٍ
فآهٍ ثمَّ آهٍ مِن خَلاقِ
أيّ شيءٍ حسنٌ * لِلفَتى لَم يكُ لَكْ
لقد كنتَ القريبَ لكل فضلٍ
وكنتَ النهر في سقي السواقي
وبحرًا فيه بحرٌ من رفادٍ
لكي تقري المكاشحَ ذي الشّقاقِ
وحصنًا كنتَ في دحر الأعادي
تَقينا من عداهمْ بالأواقي
وأنتَ السابق المضمارٍ حتى
تؤخر ذا السوابق في اللحاقِ
تعين المعدمين على حياةٍ
عبوسٍ ذات غدر بالنفاقِ
فكيف لي التصبر عن ذهابٍ
لكل المكرماتِ من الخَلاقِ
وكيف لي اصطبارٌ عن وليدٍ
تحملَّ في الصبا كلّ المشاقِ
وكيف لي السلوّ وكنتَ فينا
دواءً للكلوم بغير راقي
وليت النفس لا تُعطى مناها
من الجزع العظيمِ على الفراقِ
ولكنْ صبر قلبي مثل ثوبٍ
يُرقَّع بالتشقُّق والنعاقِ
عُقاقًا قد شربتُ وهل سيشفي
غليلي شربُ ماءٍ كالعُقاقِ؟
وإني قد أقولُ مقالَ صدقٍ
ولا يشفي مقالٌ في انشراقِ
ألا ليت النفوسَ ترى جميعًا
بكفي مثل ذرٍ أو بصاقِ
فأبْدِلهم جميعًا في فداءٍ
بمن قد كان بي نورَ الحداقِ
ونفسي ليتها كانتْ فداءً
فديتكُ بالنفيسِ وبالمآقي
شعر: أبي المعالي الظاهري
([1]) وهي الّتي أوردها أبو تمام الطائي في “الحماسة” (ج2/ص62).
اقرأ أيضًا:
تعليق واحد