العدد الأولمقالات

بقايا مخطوطات المدرستين النظامية والمستنصرية ببغداد

بقايا مخطوطات المدرستين
النظامية والمستنصرية ببغداد

عبد العزيز الساوري

تُعدُّ المدارسُ النظاميةُ علامةً مضيئةً في تاريخ الدولة العباسية، وقد بُنيتْ بأمر الوزير نظام الملك (ت 458هـ).

ومن أهم النظاميات: نظامية دار السلام بغداد، عاصمة العباسيين، وقد بدأ بناؤها سنة (457هـ)، وتقع في الجانب الشرقي من بغداد في آخر سوق الثلاثاء (سوق باب الآغا) في المنطقة المسماة بـ(شارع النّهر) في يومنا هذا.

ولأنها دار عِلمٍ فقد ارتبطتْ بأسماء عددٍ كبيرٍ من أعلام ذلك الزمن ممّن كانوا يُدرِّسون فيها ويُؤلِّفون ويَنسَخون…

ثمَّ إنّها حوَت آلاف المجلداتِ في العلوم كلِّها؛ ومَن يقرأ في كتب التاريخ والتراجم يجد أخبارًا كثيرةً عمَّا كان فيها.

يقول ابن الجوزي (ت: 597هـ): “ولقد نظرتُ في ثَبَتِ الكتُبِ الموقوفة في المدرسة النظامية؛ فإذا به يحتوي على نحو ستة آلاف مجلد…”.

ويقول سبط ابن الجوزي (ت: 654هـ): إنَّ الخليفة الناصر لدين الله نقلَ إليها عشرةَ آلاف مجلدة فيها الخطوط المنسوبة…

ومصطلح “الخط المنسوب” معروف في تراثِ الخطِّ العربي.

وعن تاريخ المدرسةِ النظامية كتَبَ الراحلُ الأستاذ الدكتور محمد أسعد طَلَس أُطروحته في فرنسا بعنوان: (المدرسة النظامية وتاريخها)، وأصلها بالفرنسية نشرتها له مؤسسة غوتنر بباريس، سنة (1939م)، بعنوان:

(La madrasa  Nizamiyya x Et Son Histoire)

وكتب الراحل الأستاذ الدكتور حسين أمين: المدرسة النظامية من مظاهر الحضارة الإسلامية ببغداد، سنة (1961م).

وكتب الراحل الأستاذ ناجي معروف: علماءُ النظاميات ومدارس المشرق الإسلامي، سنة (1973م).

ومِن أبرز الَّذين درَّسوا في المدرسة النظامية: إمامُ الحَرَمين الجويني (ت: 502ه‍)، والخطيبُ التَّبريزي (ت: 502ه‍)، وحجة الإسلام الغزالي (ت: 505ه‍)، وأبو البركات الأنباري (ت: 577ه‍).

وقد سعى علماء المغربِ والمشرقِ لزيارتها؛ ومنهم: أبو بكر ابن العربي المعافري المالكي (ت: 543ه‍) الذي قرأ فيها كتاب “المُحيط” للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ت: 415ه‍).

خبرٌ جَديدٌ اليومَ أنَّ الباحثَ العراقيَّ الدكتور مصعب ماجد، أحصى في العالَمِ حتى الآن (52) مخطوطة نَسخية كُتبتْ في المَدرسة النظامية ببغداد.

ولكنِّي أستدركُ عليه نسخةً وحيدةً كُتبتْ بخطٍّ مَغربيٍّ سنةَ (550هـ).

والجميل والأفضل أنَّ الباحث العراقي نفسه -الدكتور مصعب ماجد- أنجزَ بحثًا آخَر عن بَقايا منسوخات المدرسة المستنصرية ببغداد…

والسيد مصعب ماجد باحثٌ وفيٌّ للمَدارسِ العِراقيَّة التُّراثيَّة.. مثلَ أخي وصديقي الكريم الوفيّ بمَدارس المَغرب القديمَة: السيد الأستاذ رشيد العفاقي.

وأمَّا المدرسة المستنصرية فهي من الآثار العباسية القليلة الباقية إلى يوم الناس هذا، إذ تقفُ شامخةً في الجانب الشرقيِّ من بغداد (الرصافة) على ضِفَّة نهر دجلة.

وهي إحدى البنايات السبعِ المتبقية من الدولة العباسية إلى يوم الناس هذا في بغداد.

كان قد أمرَ الخليفةُ العباسي المستنصر بالله (ت: 640هـ) ببنائها سنة (625هـ)، وافْتُتحتْ في جُمادى الآخرة سنة (631هـ).

ويَذكرُ ابن عنبة (ت: 828هـ) أنَّ الخليفة وضعَ فيها ثمانين ألف مجلدًا، ولكنّه يَستدركُ أنْ لا شيءَ بقيَ منها!

لمْ تَكن المستنصرية خزانةَ كتبٍ، بل مجمعًا للعِلم والكتابة والتأليف، وفيها دورٌ لكلِّ اختصاص.

مِن أشهر أعلامها: مظفَّر الدين ابن الساعاتي (ت: 694هـ)، وابن أنجب الساعي (ت: 674هـ)، وياقوت المستعصمي (ت: 696هـ)، وابن الفوطي (ت: 723هـ)، ومحيي الدين ابن العاقولي (ت: 797هـ).

وقد جمعَ الدكتور مصعب ماجد أكثرَ من خمسين مخطوطةً في شتَّى العلوم والآداب، ممَّا كُتب في هذه المدرسة أو سُمع بحضرةِ أهل العلم.

ولكنِّي أستدركُ عليه -أيضًا- نسخةً مراكشية كُتبتْ بين المدرستين النظامية والمستنصرية.

وتمتاز مخطوطات المستنصرية التي عُثر علَيها بأنَّها جميعًا بخطوطٍ مشرقيةٍ، وأنها استقرَّتْ جميعًا في مكتبات خارج العراق، وأن أقدمها لا يتجاوز سنة (606هـ).

 

نماذج من قيود النسخ:

 

اقرأ أيضًا:
المدرسة الفخرية ببغداد وآثار فخر الدولة ابن المطلب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى